ربما لم يتخيل اللبناني نجيب متري أن مطبعة تجارية أسسها العام 1890 في طابق أرضي بمنزل في وسط القاهرة ستصبح أكبر من ذلك وتتحول إلى دار نشر كبرى تحتضن مؤلفات رموز التنوير في العالم العربي. شاركت وفود عربية اليوم (الأحد)، «دار المعارف» في الاحتفال بمرور 125 عاما على تأسيسها كواحدة من أقدم دور النشر العربية التي أنشأها بالقاهرةاللبنانيان نجيب متري (1865-1928) وجرجي زيدان (1861-1914)، وكان في اختلافهما فائدة للثقافة العربية، إذ انفصلا بعد عامين ليستقل زيدان بالمطبعة ويصدر العام 1892 مجلة «الهلال» التي أصبحت مؤسسة ثقافية. وفي احتفال الدار بهذه المناسبة، أقيم مساء اليوم حفل بالمسرح الصغير في «دار الأوبرا» المصرية كرم فيه وزير الثقافة المصري حلمي النمنم مثقفين ومسؤولين منهم وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الإماراتي نهيان بن مبارك آل نهيان و سفير لبنان في القاهرة خالد زيادة والمدير العام ل «مكتبة الكويت الوطنية» كامل العبد الجليل ورئيس «دار الأوبرا المصرية» إيناس عبد الدايم. وكان النمنم قال في وقت سابق اليوم، في افتتاح احتفال نظمته «دار المعارف» بهذه المناسبة، إن استمرار الدار في أداء رسالتها منذ 125 عاما «يعكس إصرار أبناء المؤسسة على التعاون من أجل رسالة سامية وهي نشر المعرفة» وإن من ملامح دار المعارف أنها ثمرة «جهد عربي مشترك كما هو الحال مع دار الهلال ومؤسسة الأهرام». وأضاف أن المؤسسات الثلاث «لعبت دورا كبيرا أثناء الاستعمار البريطاني، إذ عملت على النهوض بالوعي الثقافي المصري والعربي في مواجهة الاحتلال». وقال زيادة في الاحتفال إن النهضة الثقافية العربية: «نتيجة تعاون مشترك بين مصريين ولبنانيين وشوام وقصة نجيب متري تلخص هذه العلاقة»، مضيفا أن العالم العربي اليوم يحتاج إلى نهضة ثقافية تواكب العصر. ونشرت «دار المعارف» طوال تاريخها مؤلفات عدد من أبرز الكتاب العرب ومنهم وديع البستاني وشبلي شميل وفرح أنطون وأحمد فارس الشدياق وقاسم أمين ، إضافة إلى عميد الأدب العربي طه حسين وعباس العقاد، إذ احتلت صورتاهما ملصقا جداريا في واجهة المسرح الصغير حيث أقيم الاحتفال. وكان الشعار الدائم للدار عبارة عن فنار يشير إلى نور المعرفة مع جملة «خذوا المعارف من دار المعارف». والاحتفال الذي حضره رئيس مجلس إدارة «دار المعارف» سعيد عبده ورؤساء سابقون للدار عرض فيه فيلم تسجيلي عن نشأة الدار وتطورها وإسهاماتها في الثقافة العربية منذ تأسيسها مرورا بمراحلها المختلفة بعد وفاة متري الأب وتولي ابنيه إدوار وشفيق مسؤولية الدار. وأصدرت الدار بهذه المناسبة كتابا توثيقيا تذكاريا عنوانه «دار المعارف: 125 عاما من الثقافة» للكاتب الصحافي إيهاب الملاح الذي قال: «أول كتاب يوثق تاريخ دار المعارف منذ تأسيسها حتى تأميمها العام 1963»، ويلقي الكتاب الضوء على مراحلها وكيف تحولت من مطبعة تجارية إلى «دار المعارف للطباعة» العام 1910 لتكتسب «بعدا ثقافيا». وأضاف أن شفيق متري، الذي تولى إدارة الدار بعد وفاة أبيه العام 1928، إلى إصدارات «دار المعارف» بداية من العام 1941 تطويرا لافتا في الشكل والمضمون حتى «صارت دار المعارف... الأولى مصريا وعربيا» في النصف الأول من القرن ال 20.