بدأ الأكراد في تركيا استثمار ما تحقّقه الحركة الكردية في المنطقة عموماً، من خلال المطالبة علناً بحكم ذاتي في البلاد، والدعوة إلى التفاوض على هذا المطلب في البرلمان. وأجمعت القوى الكردية التي اجتمعت في دياربكر جنوب شرقي تركيا، تحت مسمّى «مجلس المجتمع الديموقراطي»، في حضور أساسي لرئيس «حزب الشعوب الديموقراطي» صلاح الدين دميرطاش، على ضرورة رعاية مصالح الأكراد، من خلال طرح نظام فيديرالي أو حكم إدارة ذاتية محلية، ودعت حكومة حزب «العدالة والتنمية» إلى التفاوض في هذا الصدد. المهم هو أن هذه الدعوة التي تأتي في أقوى وأوضح أشكالها، جاءت بعد زيارتين مهمتين أجراهما دميرطاش إلى موسكو وواشنطن، وفي وقت تبدو الحكومة في أمسّ الحاجة إلى أصوات الأكراد في البرلمان، لتمرير مشروع النظام الرئاسي. كما أنها في أمسّ الحاجة للحوار مع الأكراد، من أجل وقف العنف في جنوب شرقي تركيا، والذي بدأ يرسم ملامح أشبه بالأزمة السورية. وكان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو ألغى موعداً للقاء دميرطاش، من أجل مناقشة تعديل الدستور وملف النظام الرئاسي، بعد تصريحات للأخير في الاجتماع الكردي عن «حتمية قيام دولة كردية في الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة»، معتبراً أن «على تركيا أن تجد الصيغة الأنسب للتعامل مع هذه الحقيقة». ومع انشغال الحزبين الآخرين الممثلَين في البرلمان، «الشعب الجمهوري» و»الحركة القومية»، بمشاكلهما الداخلية سعياً وراء تجديد قياداتهما، سيشكّل البرلمان ساحة لمواجهة كردية - حكومية، يخوضها حزبا «العدالة والتنمية» و»الشعوب الديموقراطي»، على أجندة تعديل الدستور. ويُتوقع أن يطرح الحزب الحاكم مشروعه لتعديل الدستور، على استفتاء شعبي في أيار (مايو) المقبل، علماً أنه يحتاج إلى أصوات 14 نائباً على الأقل، من أجل طرحه على استفتاء. والسجال القوي الدائر الآن بين الأكراد والحكومة، والذي تحوّل حرباً كلامية وتبادلاً للاتهامات، قد يكون مقدمة لتوافق قديم - جديد بينهما، إذ أن «حزب الشعوب الديموقراطي» كان أبدى قبل سنتين موافقة مبدئية على تبنّي نظام رئاسي في تركيا، إذا شمل نظاماً للإدارات المحلية أو الفيديرالية. كما أن حكومة «العدالة والتنمية» أعطت أكثر من إشارة آنذاك على قبولها مشروع الإدارات المحلية، قبل أن تدبّ الخلافات بين الطرفين قبيل الانتخابات النيابية التي نُظمت في حزيران (يونيو) الماضي، وعلى خلفية تجميد الرئيس طيب رجب أردوغان المفاوضات مع زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان، خشية من أن تقوّض أصوات حزبه.