بعد مضي مئة يوم على تسلم سعد الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية، تقيّم باريس تطورات الوضع الداخلي اللبناني والإقليمي بالقول انه كان معروفاً من البداية ان الانتخابات الاشتراعية لن تترجم بانتصار للغالبية و «قوى 14 آذار». وكان معروفاً منذ ما قبل الانتخابات أنه أياً كانت نتيجتها فإنها ستؤدي الى حكومة وحدة وطنية، أي استمرار مفاعيل اتفاق الدوحة. لكن ما بعد الانتخابات كان على غرار اتفاق الدوحة من دون «الثلث المعطل» وكان ذلك إيجابياً للحريري. وترى باريس أن حكومة الحريري «جيدة وفيها بعض الشخصيات التي تتميز بقدراتها، وان هناك أمراً ايجابياً يتمثل بكون الحريري قرر أن يحكم بطريقة اجماعية وغير مثيرة للنزاعات وهذا خيار ينطوي على مجازفة لأنه يعطي حق الفيتو لأصغر المتطرفين ما يهدد بالشلل». وفي الواقع هناك في لبنان من يلقي نظرة نقدية على أداء الحكومة، ولكن في الوقت ذاته لم يمضِ على هذا الأداء سوى مئة يوم. وتقول باريس انه «لا يمكن أن يؤخذ على الحريري عدم التزامه وعوده الانتخابية والسياسية، في ظل الوضع البالغ التعقيد القائم في لبنان، لكنه وبفضل الأسلوب الذي يعتمد فإنه حقق تقدماً». وتم في هذا الإطار انشاء لجان لمناقشة التعيينات وهي تتقدم، والانتخابات البلدية ستتم ولو بالقانون الانتخابي ذاته، واقرار الموازنة صعب جداً لكنه محور تفاوض وبحث بين المستشارين وسيسفر عن تقدم، وهذا الموضوع يشكل أحد الاختبارات التي تواجهها الحكومة من الآن وحتى الصيف المقبل. وترى باريس ان اقرار الموازنة لن يتم قبل الانتخابات البلدية، ولكن القرارات ينبغي ان تتخذ بعدها بحيث يتم العمل على الإصلاحات في الكهرباء والاتصالات اضافة الى كل الإصلاحات الأخرى المرتقبة من الحكومة، وهي متعددة ومحددة منذ مدة. وتؤكد باريس ان لدى الحريري إرادة القيام بالإصلاح وانه وقع مع كل وزرائه البيان الحكومي، وعين شخصيات من المعارضة وأسند اليها حقائب على صلة وثيقة بالإصلاحات مثل وزارة الاتصالات والطاقة وغيرها، «ما يعني أنه يتحمل بالاشتراك مع المعارضة عبء هذه الإصلاحات وبالتالي فإن فشلها سيكون فشل للمعارضين أيضاً، وهذا نهج ذكي». واضافة الى المشاكل الداخلية، تشير باريس الى ان لبنان ليس في عزلة عن منطقة تعاني من أزمة، وان الدول المانحة بما فيها فرنسا تحرص على الإصلاحات المنصوص عليها في «باريس - 3» لكنها تبدي مرونة لأنها لا تريد دفع لبنان الى الانتحار. وهناك نقاشات بين الحكومة اللبنانية والمانحين، للتفكير في كيفية التقدم نحو الإصلاح من دون التقيد في شكل وثيق بالشروط المنصوص عليها في «باريس - 3». وتعتبر باريس أنه يمكن بالطبع القاء نظرة سلبية على الأمور والقول ان كل شيء جامد وليس هناك تقدم، ولكن يمكن أيضاً القاء نظرة أكثر ايجابية والقول ان لبنان باقٍ مع نقاشاته المعقدة وطبقته السياسية الجامدة ومشاكله الطائفية القديمة. وتتساءل: ما البديل خصوصاً ان الحريري يدرك جيداً أنه لا يسعه فرض رؤيته بلا إجماع، لأنه سيكون عرضة كما في السابق لعرقلة البلاد بواسطة الشارع. وتفيد بأن الحريري واثق من أن أسلوبه في الوفاق هو السبيل لحماية السلام الداخلي، خصوصاً ان الرهان الحقيقي بالنسبة للبنان اليوم هو كيفية مواجهة التهديدات الخارجية المتزايدة من قبل اسرائيل، وانعكاسات العقوبات المشددة على ايران، على صعيد الاستقرار اللبناني وأيضاً تأثير التحقيق الذي تقوم به المحكمة الخاصة بلبنان. والمثير للاهتمام برأي باريس، هو ان الأطراف الأكثر انتقاداً للتقارب بين الحريري ودمشق، ليسوا بالضرورة من مؤيدي القطيعة بين حكومتي البلدين، و «القوات اللبنانية» مثلاً ترى ان من الأفضل أن يذهب الحريري الى دمشق، بدلاً من أن يكون هناك احتلال سوري للبلاد من الباب الصغير». وتدرك باريس ان لسورية حلفاء في لبنان مثلما لها وجود عبرهم وان السؤال هو ما الذي تريده سورية من لبنان، فهي تريد ضمانات بأن لبنان لن يتحول الى عدو لها وان يبقى حليف سياستها في المنطقة. وتقول باريس ان سورية اليوم لا تتدخل في قرارات لبنان الداخلية مثلما كان عليه الأمر في السابق.