لا شيء يطمئن الجمهوريين في معركة انتخابات الرئاسة المرتقبة عام 2016. فدونالد ترامب، المرشح الأقل حظاً في دخول البيت الأبيض، في السباق مع الديموقراطيين، هو الأوفر حظاً في أن يكون مرشح الحزب الجمهوري، إذ ما زال يتقدّم في استطلاعات الرأي، قبل خمسة أسابيع من بدء التصويت في الاقتراع التمهيدي. هذا التقدّم لم تكبحه لغة «سوقية» استخدمها ترامب في مهاجمة هيلاري كلينتون الساعية إلى الفوز بترشيح الديموقراطيين للانتخابات، وتذكيره بفضائح زوجها بيل كلينتون حين كان رئيساً للولايات المتحدة. ترامب تجاوز كل الأعراف والتقاليد الانتخابية، بشنّه هجوماً على هيلاري، مستواه سوقي ودون المعيار الأخلاقي. فبعدما وصف ذهابها إلى الحمّام خلال فاصل أثناء مناظرة للمرشحين الديموقراطيين، بأنه «مقرف»، استخدم كلمة شائنة للتعبير عن هزيمتها أمام الرئيس باراك أوباما خلال انتخابات عام 2008. إهانات ترامب لم تتوقف عند هذا الحد، بل كتب على موقع «تويتر» أن على كلينتون أن تتذكّر، قبل أن تتهمه بالتمييز ضد النساء، فضائح زوجها «وإسكاتها أصوات اللواتي تذمّرن منه». كلمات ترامب أحرجت الحزب الجمهوري، مثيرة مأزقاً جديداً للحزب مع الصوت النسوي، فيما كانت مثل العسل لحملة كلينتون، إذ وظّفتها لحشد قاعدتها الحزبية وجمع تبرعات. وأكمل أنصار هيلاري هجوماً على ترامب، من خلال وسم #أنا معها على «تويتر»، كما دخل منافسها الديموقراطي بيرني ساندرز على الخط، معتبراً أن «لدى ترامب مشكلة أكبر مع النساء، إذا كان لا يفهم لماذا يستخدمون المرحاض». ويحاول الديموقراطيون تركيز هجومهم على ترامب، من أجل تعزيز نجوميته لدى الجمهوريين، ولمواجهته في انتخابات الرئاسة، باعتباره المرشح الأضعف وفق الاستطلاعات، ولمعاداته الأقليات وخطابه الشوفيني. ويسود ذعر أوساط الجمهوريين من فوز ترامب بترشيح الحزب، بلغ أوجه بعد تحذير الكاتب الجمهوري النافذ جورج ويل في صحيفة «واشنطن بوست» من أن فوز «دونالد» سيعني «ضربة قاضية للمدرسة المحافظة في الولاياتالمتحدة»، وستكون «عواقبه مدمرة على الحزب الجمهوري، عدا عن خسارة البيت الأبيض». وبرّر ويل ذلك بمواقف ترامب وعجرفته السياسية وكراهيته الأقليات، معتبراً أن الأمر لا يعكس قيم الحزب الجمهوري. على رغم ذلك، واصل ترامب «تحليقه» في الاستطلاعات، بفارق شاسع على المستوى الوطني، وبنسبة أقل على مستوى الولايات. وأظهر استطلاع أعدته شبكة «سي أن أن» ومركز «أو آر سي» أن ترامب يتصدر قائمة المرشحين الجمهوريين ال12، بنسبة 39 في المئة، متقدماً السيناتور اليميني تيد كروز (18 في المئة). أما على صعيد الولايات، فيتقدّم كروز بفارق 9 نقاط في ولاية آيوا التي ستفتتح التصويت الحزبي مطلع شباط (فبراير) المقبل، لكن ترامب يحتل المرتبة الأولى في ولايات نيوهامبشير وساوث كارولاينا وفلوريدا التي ستصوّت بعد آيوا. واستدعى هذا الواقع نقاشاً داخل الحزب الجمهوري، حول إمكان الضغط على مرشحين معتدلين، للانسحاب من السباق وتوحيد الصوت المعتدل وراء مرشح واحد، مثل السيناتور ماركو روبيو، ولجعله أكثر قدرة على مواجهة ترامب أو كروز، بدل اقتسام الأصوات. كما أن تراجع المرشح جيب بوش في الاستطلاعات إلى نسبة 3 في المئة على المستوى الوطني، طرح أسئلة حول إمكان خروجه من السباق قبل تصويت فلوريدا، علماً أنه كان المرشح المفضل قبل أشهر. في الساحة الديموقراطية، يستمر تقدّم كلينتون على ساندرز، على رغم تراجعها في نيوهامبشير. لكن التوقعات ما زالت ترجّح أن تحسم هيلاري السباق باكراً، عكس الجمهوريين الذين قد تستمر معركتهم حتى المؤتمر الحزبي في تموز (يوليو) المقبل.