لم يجد زعيم المعارضة البرلمانية كمال كيليجدار أوغلو قناة تلفزيونية تبث كلمته الأسبوعية في البرلمان على الهواء مباشرة سوى قناة «هلق تي في» ذات الإمكانات الفنية الضعيفة والتابعة لحزبه، إضافة إلى قناة «سي أن أن» التركية التي اكتفت بنقل مقطع قصير من حديثه، علماً بأن 12 قناة فضائية كانت نقلت قبل ساعتين على الهواء مباشرة حديث رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو الأسبوعي أمام نواب حزبه في البرلمان والذي تجاوزت مدته ساعة. هكذا يبدو مشهد الإعلام التركي بعد انتخابات الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والتي أعادت حزب العدالة والتنمية إلى الحكم منفرداً بغالبية برلمانية بسيطة. حتى «مجموعة دوغان» الإعلامية التي تنتمي اليها قناة «سي أن أن» التركية وصحيفة «حرييت»، اللتان تقدمتا مسيرة «الإعلام المناكف» لسياسات الحكومة والرئيس رجب طيب أردوغان، رفعتا «الراية البيضاء» كما يقول عدد كبير من الإعلاميين. وعزت مواقع إخبارية هذا التطور إلى تعيين محمد علي يالطشن داغ رئيساً للمجموعة الإعلامية وهو رجل الأعمال المعروف بقربه من أردوغان، علماً بأنه في الوقت ذاته صهر أيضن دوغان صاحب المجموعة والذي دخل في سجال ساخن وتبادل للاتهامات مع أردوغان قبل الانتخابات. في المقابل تدرس صحيفة «جمهورييت» المعارضة بيع المباني التي تملكها والمكاتب التي تعمل من خلالها، من أجل سد عجز كبير في موازنتها، بعد تخلي التجار وأصحاب الأعمال عن الإعلان على صفحاتها خشية التعرض لضغط من الحكومة يتمثل بتسليط سيف الرقابة المالية عليها لسنوات، أو حرمانها من المناقصات التجارية. وعلى رغم وجود كوادر وتقنيات إعلامية كبيرة في تركيا، وسلة اعلانات تقارب قيمتها الخمسة بلايين دولار، فإن أياً من الأحزاب أو الحكومات أو أصحاب وسائل الإعلام، لم يعمل بجد من أجل تغيير قانون الإعلام في تركيا الذي ساعد رجال الأعمال على استخدام الإعلام سلاحاً ضد الحكومات في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي لابتزازها في مقابل الحصول على صفقات ومناقصات ضخمة. كما استخدمت الوصاية العسكرية الإعلام أيضاً لترهيب الحكومات ومحاربة مطالب الأكراد والمتدينين والإسلاميين، لأن الجميع كان مستفيداً من هذه العلاقة الغريبة وهذا القانون. وعقدت معظم المجموعات الإعلامية صفقة لدعم حكومة حزب العدالة والتنمية في بداياتها، من أجل التخلص من الوصاية العسكرية ودعم مشروع دخول تركيا الاتحاد الأوروبي. لكن سرعان ما أدرك أردوغان أهمية الإعلام ودوره في تركيا، فسارع إلى شراء عدد كبير من المجموعات الإعلامية عن طريق رجال أعمال مقربين منه وضغط على البقية، بشكل مهد له السيطرة على هذا المارد وترويضه لأهدافه وغاياته السياسية. ولعله لم يخطر في بال أيضن دوغان، الذي طالما تعرض في وسائل إعلامه لشخص أردوغان خلال فترة رئاسة الأخير بلدية إسطنبول وبداية حكم «العدالة والتنمية»، أن سلاح الإعلام الذي بيده قد لا يحميه من أردوغان وأنه سيضطر للتسليم في نهاية المعركة التي كان وقودها صفقات واختلاف أيديولوجي ودعم غربي. وهذا يعني أيضاً أنه ربما سيكون على كيليجدار أوغلو البحث عن وسيلة أخرى يسمع بها صوته للشعب بعد شهر من الآن، إذ يتوقع أن يجري المدير الجديد تغييرات كبيرة على كوادر قناة «سي أن أن» التركية وخطها التحريري، كما ورد من صلاحيات في رسالة تكليفه من جانب حماه.