لعلّها مفارقة غريبة أن تكون تركيا بين آخر الدول التي تعترف رسمياً بفوز رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان في انتخابات الرئاسة. فعلى رغم تهنئة قيادات دول كثيرة أردوغان بفوزه الذي أعلنته الهيئة العليا للانتخابات قبل أسبوع، تحجم الجريدة الرسمية التركية عن نشر الخبر، في انتظار أوامر من أردوغان الذي يصرّ على حجبه، تجنباً لتعرّضه لمساءلة قانونية تتعلّق بجمعه ثلاث صفات رسمية في آنٍ، هي زعامة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم ورئاسة الوزراء والرئيس المنتخب. ويحظّر الدستور الأمر، إذ ينص على وجوب استقالة الرئيس من الحكومة والحزب، بعد نشر نبأ فوزه في الجريدة الرسمية، وهذا يحدث عادة فور إعلان لجنة الانتخابات النتائج النهائية للاقتراع. ولكن يبدو أن الجريدة الرسمية ليست الصحيفة الوحيدة في تركيا التي تستعد لحقبة جديدة عنوانها رئاسة تركيا، إذ باشرت صحف تغيير أسلوب تعاملها مع الحكومة وتغطية أخبارها، منذ فوز أردوغان بالرئاسة، وإعلانه اختيار وزير الخارجية أحمد داود أوغلو لترؤس الحزب الحاكم والحكومة الجديدة. وطردت صحيفة «حرييت»، وهي أبرز صحيفة ليبرالية وأقدمها وأوسعها انتشاراً في تركيا، رئيس تحريرها أنيس بربر أوغلو قبل الانتخابات بيومين. ونُسِب إلى مالك الجريدة أيضن دوغان الذي سئم الخط التحريري لصحيفته الناقد لسياسات أردوغان، قوله في اجتماع بعد طرد رئيس التحرير: «الصحافة لا تعني الخروج يومياً بخبر ينتقد سياسة الحكومة». تلا ذلك منع الصحيفة للمرة الأولى، نشرَ مقالٍ لأهم كتّابها وأشهرهم، يلماز أوزديل، العدو العنيد لأردوغان، إذ يتضمّن سخرية من طريقة اختيار الرئيس المنتخب خليفته، ويسأل: «لماذا لا يُعيّن أردوغان نجله بلال خليفة له مباشرة، بدل هذه المسرحية؟». واستقال أوزديل من الصحيفة على الرغم من أنه صاحب لقب «أكثر كتّاب الزوايا قراءة في تركيا» وأشهرهم. مواقع إخبارية استعادت تسجيلاً مسرّباً لحوار بين الرئيس المنتخب وأردوغان دميرأوران، مالك ثاني أبرز مجموعة إعلامية في تركيا، والذي يبكي في نهايته الرجل الثمانيني متأثراً بقسوة كلمات أردوغان وتوبيخه لنشر خبر حول القضية الكردية. ورجّحت تلك المواقع استكمال السيطرة على الإعلام في تركيا، مع ترنّح «حرييت»، أبرز صحيفة في البلاد، حيث بدأ حديث في كواليسها عن احتمال بيعها لمقرّب من أردوغان خلال أشهر، وتردّد أن مالكها ينتظر تعيين داود أوغلو رسمياً رئيساً للحكومة، ليستشيره في اختيار رئيس جديد للتحرير، ضماناً لفتح صفحة جديدة بين الحكومة والصحيفة التي طالما اتهمها أردوغان بمعاداته والعمل ضده. وعلى رغم توافر غالبية كافية لحزب «العدالة والتنمية» في البرلمان، إلا أنه أحجم خلال سنوات حكمه ال12 عن إقرار قانونٍ يمنع رجال الأعمال مالكي الصحف من إبرام صفقات مع الحكومة والحصول منها على مناقصات، لتجنّب وقوع وسائل الإعلام تحت ضغط الحكومة، أو العكس. وتتهم المعارضة أردوغان بدفع رجال الأعمال المقربين منه إلى شراء وسائل الإعلام المعارضة وترويضها، في مقابل نيلهم صفقات ومناقصات تجارية ضخمة من الحكومة. كما تتهم المعارضة وجمعيات صحافية الرئيس المنتخب ب «شخصنة» خلافاته في الرأي مع صحافيين، من خلال انتقادهم علناً بالاسم وإهانتهم أمام الجميع، في شكل يضعهم أمام ضغط شعبي وإعلامي ضخم، علماً بأن بعضهم فقد وظيفته بعد تعرّضه لهجمة من أردوغان.