يشبّه روجر لوينستاين في كتابه "نهاية وول ستريت" الأحداث التي توالت بعد تعثر شارع المال في نيويورك بالسقوط المتتابع لأحجار الدومينو بعد سقوط الأول بينها. ويقدّم لنا الكاتب السابق في صحيفة "وول ستريت جورنال" النيويوركية المتخصصة في الأعمال كتاباً شديد التعقيد لكنه يعكس اتصاف صاحبه بموهبة خلاقة، كما يَبرُز العمل متميزاً بين سلسلة الكتب الكثيرة حول تعثر وول ستريت الذي سرعان ما انقلب ركوداً عالمياً عميقاً. يحمل عنوان الكتاب معنى مثيراً، فوول ستريت التي انتهت في نظر لوينستاين هي وول ستريت السابقة للأزمة، أما وول ستريت التي حلت محلها فهي ما يحاول المؤلف استقراءه. وهكذا لا يعني الكاتب أن قطاع المال الأميركي انتهى بل تحول إلى قطاع جديد. ويستفيد لوينستاين من عمله السابق صحافياً ليروي لنا قصة الأزمة لحظة بلحظة، هو الذي أصدر سابقاً كتباً منها واحد يؤرخ لركود العام 2000 التالي لانهيار سوق التجارة الإلكترونية. لا يروي الكتاب قصة انتهاء وول ستريت القديمة من منظور المديرين التنفيذيين لشركاتها المالية والمسؤولين الحكوميين المكلفين الإشراف عليها وتنظيمها، وإن وردت اقتباسات لأقوالهم ومواقفهم، وكثير من هذه الاقتباسات مخصص للعمل من خلال مقابلات أجراها الكاتب، بل إن العمل يقوم على قضايا قطاع المال الأميركي، وهي في مجملها قضايا استعصت على الخبراء الاقتصاديين والنظريات التي نافحوا عنها قبل أن يقضي عليها التتابع السريع للأحداث منذ انهيار المصرف العملاق "ليمان براذرز" ويستدعي تبديلها. لكن ذلك لا يعني أن لوينستاين يصم أذنيه عن آراء الخبراء الذين حذروا من الكارثة قبل أشهر وسنوات من وقوعها، فآراؤهم تضيء الجوانب المظلمة لهذه الرواية المقلقة للأخطاء التي شابت قطاع المال الأميركي. ويتجاوز المؤلف المواقف العنجهية لأرباب وول ستريت قبيل الأزمة ليدقق في توقعاتهم التي ثبت خطؤها، داحضاً الفكرة الرائجة بأن أزمة ما لا يمكن أن تقع لأن أزمة تشبهها لم تحصل سابقاً، ويستعرض الترابط بين قطاعات المال في البلدان المتقدمة والناشئة، وهو ترابط أبطل صحة نظريات كثيرة. ويسلط الكتاب ضوءاً قوياً على تضليل مديرين تنفيذيين كثيرين في قطاع المال لحملة الأسهم في مؤسساتهم، فيما يحاول جاهداً تقديم أفكار رؤيوية من دون إملال. هو يروي مثلاً قصة الرسالة التي بعث بها المدير التنفيذي ل "سيتي غروب" تشارلز أو برنس الثالث عام 2007 إلى حملة الأسهم في المؤسسة المالية العملاقة يخبرهم عن محاضرة ألقاها في الصين فيما ساعدت زوجته في طلاء مدرسة هناك. وتجنب في الرسالة شرح تورط المؤسسة في أدوات مالية محفوفة بالأخطار ترتبط برهون عقارية غير مضمونة كفاية. وفي رسالة متزامنة، أكد رئيس اللجنة التنفيذية في المؤسسة روبرت روبين قوة الاقتصاد الأميركي "على رغم وجود اختلالات مالية جدية وأخطار جيوبوليتيكية وقضايا كثيرة أخرى" من دون أن يشرح ماهية هذه القضايا. لكن السر الذي حاول روبين الاحتفاظ به ما لبث أن انكشف على الملأ مع بدء الأزمة المالية الأميركية التي انتشرت في العالم وسرعان ما تسببت بركود عالمي غير مسبوق من ثلاثينات القرن العشرين.