يعبر القارب الصغير بخفة على سطح الماء، بين جبال مسندم في أقصى الشمال العماني، حيث يمكن الوصول إلى تلك المحافظة البعيدة عن العاصمة مسقط، من طريق الإبحار نحو خمس ساعات أو أكثر منها براً. أما إذا قصدناها من طريق دولة الإمارات العربية المتحدة، فنجد أن التضاريس ليست إلا جبالاً تقع وراء جبال، حتى تكاد تتسلل إلى البحر خفية فتمتد بين أمواج الخليج، أو أن الأمواج هي التي تريد اكتشاف ما وراء تلك الصخور العملاقة. يتحدث سعيد بن سالم الظهوري، قائد القارب، عن قريته قانة التي هجرها سكانها، مشيراً بيديه إلى بضعة بيوت ما زالت صخور بنائها القديم صامدة على امتداد مساحة أرض تفصل بين صخور الجبل وماء البحر، في زاوية لا يمكن الوصول إليها إلا من طريق البحر، يوم كان السكان لا يريدون آنذاك أكثر من ماء عذب توفره العيون الجبلية القريبة وطعام يعطيه البحر بسخاء، ويمكن بيع الزائد في سوق المدينة الصغيرة للحصول على ما تبقى من لوازم الحياة. تقع محافظة مسندم على الضفة الغربية من مضيق هرمز، ويمكن لقواربها الوصول إلى إيران للزيارات والتبادل التجاري لبعض السلع. يقول الظهوري أن فكرة الجسر البري بين البلدين غريبة، يهز رأسه بابتسامة أن «الحكومة قادرة» لكنه لا يخفي عجبه كيف ستمر ناقلات النفط العملاقة من تحت الجسر، وببساطته يكرر أن «الحكومة قادرة» على رفع الجسر كثيراً. مرّ القارب بين أربع سفن خشب كانت تقل مئات السياح الأوروبيين، منهم من يمارس هوايته في التجديف عابراً بين الدلافين التي تتقافز في المياه الوادعة، وآخرون يغوصون قافزين من السفن، والمتوزعون على صفحة الماء يغنون، وهناك على الساحل سفينة سياحية عملاقة جاءت بهم من دولة الإمارات القريبة حيث المسافة كيلومترات فقط. يتحدث أبو حمد عن الحكايات التي يتناقلها السكان، مشيراً إلى قمة جبل عالية جداً «إلى هناك كان الناس قديماً يحملون أطفالهم للختان»، لا يتذكر ذلك إلا من خلال حديث والده، لكن جزيرة التلغراف لم تكن بعيدة عنا، بقربها يحلو الغوص. يشرح أنها شهدت أول حالة اتصال بين بريطانيا ومستعمراتها في شبه القارة الهندية عام 1865. على واجهة الصخر تبدو التماثيل حاملة لأساطيرها، هناك رأس الأفعى الذي يبدو كرأس حقيقي تحجّر بفعل عوامل الزمن في نهاية جسد أفعى هبط بامتداد الجبال. ويشير الظهوري إلى حجر السمكة الذي كان ذات يوم جزءاً من الجبل قبل أن ينفصل واقفاً كإنسان. ويروي سعيد الظهوري حكايات عن تلك الجبال والقرى الصغيرة المتناثرة، لكن أصحابها هجروها إلى مدينة خصب، أكبر مدن محافظة مسندم.