اعترف وكيل وزارة الصحة للصحة العامة رئيس مركز القيادة والتحكم الدكتور عبدالعزيز بن سعيد، بأن مراكز الرعاية الصحية تعاني كثيراً من المشكلات، واصفاً خدماتها ب«الضعيفة»، منوّهاً إلى عمل الوزارة على تطويرها للوصول إلى الجودة المناسبة، مقراً بأن هناك «أزمة نقص حادة» في بعض التخصصات في مقابل تخصصات أخرى تحظى بوفرة الكوادر. وأفاد أن الوزارة لا تزال حذرة في تعاملها مع فايروس كورونا، إلا أنه أكّد أن هناك فوائد ودروساً كثيرة خرجت بها من هذه الأزمة من بينها فرق مكافحة العدوى ومركز القيادة والتحكم، وأهمية الشراكات مع الجهات الحكومية، والقطاعات الصحية الأخرى. واعتبر أن السياسات الصحية السابقة تسبّبت بظهور بعض المشكلات على مستوى الرعاية الصحية الأولية. وقال ابن سعيد في حوار مع «الحياة»: «إن ضعف الخدمات التي تقدمها مراكز الرعاية الأولية يؤدي إلى توجه المواطنين للمستشفيات»، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل على عدد من الخطط قصيرة وطويلة المدى لتطوير مراكز الرعاية تتمثل في استقطاب الكفاءات، وسد الفجوة بالاستعانة ببعض التخصصات. وأضاف أن «هناك خططاً تسعى الوزارة لتطبيقها تتمثل في تخصيص 50 في المئة من خريجي كليات الطب من الجامعات السعودية إلى تخصص طب الأسرة بهدف سد العجز على المدى البعيد»، لافتاً إلى أن النسبة الحالية في السعودية لا تصل إلى ثلاثة في المئة. ونوّه إلى أن الخدمات الصحية لا تعاني من نقص في الكوادر الصحية، إلا أن المشكلة تكمن في نقص الكوادر في عدد من التخصصات، ومن أهمها طب الأسرة، مضيفاً: «من المشكلات التي تواجه الوزارة حالياً أن غالبية المرضى يرون أنه يجب أن يتلقوا العلاج في أفضل مركز متقدم حتى لو كانت الحالة الصحية لا تستدعي ذلك، وفي ذلك ظلم لآخرين من المحتاجين لهذه الخدمات المتخصصة».. وفيما يلي نص الحوار: بعد ضم الوحدات الصحية المدرسية إلى وزارة الصحة.. ما خططكم لتطويرها؟ وهل سيكون هناك ربط بينها وبين مراكز الرعاية الأولية؟ - تعدّ الوحدات الصحية المدرسية ذات أهمية لوزارة الصحة، لذلك رأت أن يكون لها دور في مرحلة التأسيس في ما يتعلق بصحة الفرد، وليس تقليلاً من أي جهة أخرى، ولكن كما أن البنية التحتية لكل ما يتعلق بالتعليم موجودة في وزارة التعليم فإن ما يتعلق بالصحة يجب أن يرتبط بوزارة الصحة، ومن الأفضل أن يكون كل تخصص مرتبط بمن يمتلك البنية التحتية المعنية به، وعلى سبيل المثال وزارة الصحة سبق وأن أقامت كليات للطب وكانت فرص نجاحها ضعيفة. ولا نغفل الدور الجيد الذي قامت به وزارة التعليم، إلا أن المرحلة الحالية تتطلب أن يكون هناك دور لوزارة الصحة في ما ترغب القيام به لتحسين صحة المواطن والتعامل معه طوال مراحل حياته بدءاً من الولادة ومروراً بمراحله الدراسية، وبالفعل هناك تخطيط لربط الوحدات الصحية المدرسية بمراكز الرعاية الصحية الأولية. ولكن مراكز الرعاية الصحية الأولية تواجه الكثير من الاتهامات بضعفها ومعاناة لناحية الجودة؟ - صحيح، مراكز الرعاية الأولية تعاني كثيراً ولا يوجد رضا من المواطن عليها، لأن المواطن يهرب إلى المستشفيات أملاً في تلقي خدمات رعاية صحية أفضل، ولكن للأسف الضغط على المستشفيات يؤدي إلى انحدار في مستوياتها، بسبب الزحام، إلا أن السبب الرئيس يتمثل في عدم قيام المراكز الصحية الأولية بالدور المناط بها. على سبيل المثال لو نظرنا إلى بريطانيا التي تُعدّ من أفضل الدول المقدمة للرعاية الصحية، نجد أن نسبة أطباء الرعاية الصحية للمواطنين طبيب لكل ألف مواطن، وفي السعودية لدينا 30 مليون مواطن ومقيم، لذا بالنظر إلى النسبة في بريطانيا نحتاج 30 ألف طبيب متخصص في الرعاية الأولية (طب الأسرة والمجتمع)، لذا يجب الأخذ في الاعتبار أن المملكة لا تعاني من نقص الأطباء بصورة عامة، وإنما لديها نقص في عدد من التخصصات، وعدد الأطباء المؤهلين أقل من 1000 طبيب في مجال طب الأسرة، وبالتالي نحتاج إلى 18 ألف طبيب على الأقل. استشاري في كل مركز صحي إذاً ما خططكم لتطوير هذه المراكز وتصحيح الوضع الحالي؟ - نؤمن بأهمية أن نكون منطقيين ولدينا مرحلية في التفكير، وأولى خطوات التصحيح تبدأ بالمواجهة والاعتراف بوجود الفجوة، ثانياً تحديد الهدف وكيفية الوصول له، وإذا اعتبرنا النسبة البريطانية مثالية، فإن الوضع في السعودية يشير إلى أن لدينا حالياً قرابة 2200 مركز صحي، وما نطمح له أن يكون في كل مركز صحي استشاري واحد على الأقل، وهناك طريقان لذلك أولها استقطاب المتخصصين في مجال طب الأسرة، والثاني الاستعانة بالتخصصات القريبة منه كالأطفال والنساء والولادة والباطنة للعمل في هذه المراكز لسد الفجوة. كذلك نعمل على تطوير التمريض بشكل احترافي، وفي هذا الصدد لدينا اتفاق مع بعض الدول لتأهيل ممرضات اجتماعيات للتعامل مع حالات الرعاية الأولية، وتدريب العاملين على رأس العمل. أما ما يتعلق بالخطوة طويلة الأمد فإن كليات الطب في السعودية تخرج سنوياً أربعة آلاف خريج، نصيب زمالة طب الأسرة أقل من 200 طبيب، ففي كل دول العالم الناجحة طبياً مثل بريطانيا وفنلندا يستحوذ خريجو هذا التخصص على 50 في المئة من الأطباء، فيما لا يشكلون في السعودية إلا نحو ثلاثة في المئة، ما يعني أن لدينا هدراً في التخصصات الأخرى يقابله حاجة ونقص في أهم تخصص، لذلك بدأنا وضع خطة بالتعاون مع الهيئة السعودية للتخصصات الصحية والجامعات السعودية من أجل ذلك، وهناك قرار من المجلس الصحي السعودي بأن يتم توجيه 50 في المئة من تخصصات الطب البشري إلى تخصص طب الأسرة، لكن بكل أسف نحن لا نملك البنية التحتية اللازمة في حال توجيه هذا العدد وتدريبهم. وما الحلول التي تسعون إليها في هذا الشأن؟ - يجب أن يكون هناك ربط وتمازج وبرامج موحدة بين الجهات الصحية المختلفة والوزارة، على سبيل المثال الخدمات الصحية في القوات المسلحة تُعد من أنجح مقدمي خدمات الرعاية الصحية الأولية في المملكة، إلى جانب الشؤون الصحية في الحرس الوطني، طبعاً هم يحتاجون إلى 10 أطباء متخصصين في طب الأسرة سنوياً، وفي الرياض وحدها يتبع لهما 80 استشارياً، وبحسب أنظمة التخصصات الصحية يمكنهم تدريب أكثر من 160 طبيباً، ولكن لعدم توافر المراكز الصحية لن يتمكنوا من ذلك، ما يستوجب أن يكون هناك تمازج بين هذه الجهات ووزارة الصحة بتهيئة المراكز الصحية لهم لتتولى هذه الجهات توفير الاستشاريين. وبدأنا حالياً بزيادة أعداد المتدربين وخلال الأعوام القريبة سنصل إلى 300 متدرب، وصولاً إلى 2000، وفي حال وصولنا لهذا الرقم سيبدأ سد الحاجة تدريجياً بوضع استشاري في كل مركز صحي حتى الوصول إلى الرقم الذي نطمح له بأعداد الاستشاريين في هذه المراكز، وبالتالي تخفيف الأعباء على المستشفيات وكسب ثقة المواطنين. ماذا تتوقعون من مراكز الرعاية الأولية في حال تطويرها؟ - هناك أمراض تحتاج لرعاية صحية جيدة في البداية بدلاً من تراكم مضاعفاتها وانتقالها إلى المستشفيات، وبالتالي زيادة الأعباء عليها. وإحدى شركات التأمين طلبت السماح لها بتقديم خدمات رعاية صحية أولية وكان أمراً غريباً بالنسبة لنا إلا أنه بعد مراجعتنا للمطالبات المالية من المستشفيات وجدنا أن معظم الحالات بالإمكان التعامل معها على مستوى مراكز الرعاية، والتعامل معها في المستشفيات مكلف بالنسبة لهم، ونحن ننظر لها من جانب صحي فقط. وأعتقد بأنه مع شعار الوزارة الجديد «صحة المواطن أولاً» والمتمثل في الحرص على تقديم الخدمات للمواطن وليس انتظار ذهابه إلى المستشفى من أجل العلاج، ومحاولة العمل على أن يكونوا أصحاء من الممكن أن يتحقق الكثير، ومع الأسف أن السياسات الصحية السابقة لم تكن تركز على الرعاية الصحية الأولية لذلك كان هناك عبء كبير على الخدمات الصحية المتقدمة لأنها أغرقت بحالات رعاية صحية أولية كان المفترض ألا تتوجه إلى المستشفيات، وبالتالي أصبح الناس الذين من المفترض أن يذهبوا إلى المستشفيات لا يجدون مقاعد وأصبح هناك اختناق، لذلك لا بد الآن من التركيز أولاً على الرعاية الصحية الأولية لتطوير الخدمات الصحية للمواطن، مع إدراكنا بأننا لن نستطيع إرضاء المواطن بزيادة المستشفيات، فإرضاؤنا له يكون من خلال جودة الخدمات التي سوف تقدمها مراكز الرعاية الأولية والعمل على تطوير هذه الخدمات. لا تقارنونا بالآخرين يتحدث الكثيرون عن اختلافات واضحة بين عدد من مزودي الخدمات الصحية ومستشفيات وزارة الصحة، كيف تسعون إلى تعديل الوضع؟ - هناك مستشفيات في وزارة الصحة يمكن مقارنتها بالمستشفيات التابعة لمزودي خدمة آخرين مثل المدن الطبية التابعة للوزارة، وفي الواقع الوزارة لديها من مستشفيات بسيطة أشبه بمراكز الرعاية إلى مستشفيات متقدمة. وبالطبع أن بعض المستشفيات كونها في مناطق نائية هناك صعوبة في توفير الكوادر الصحية اللازمة لها، ليس لعدم رغبة الوزارة ولكن لأن الأطباء يبحثون عن الاستقرار في المدن الكبيرة، والخدمات المتقدمة يجب ألا تكون مبعثرة، حتى لا تفقد قوتها، بمعنى أنه في حال افتتاح مستشفى تخصصي في مدينة كبرى، وآخر في مدينة صغرى فإن مقدمي الخدمات الصحية من أطباء وتمريض سيحرصون على فرص العمل المتوافرة في المدينة الكبرى، أي أن ذوي الجودة سيتوجهون إلى المدن الكبرى، وبالتالي الخدمات المتقدمة حتى لو تم توفيرها في المدن الصغرى سوف تكون أقل جودة. كثيراً ما تظهر حالات التذمّر من عدم توافر أسرّة في المستشفيات، كيف تسعون لإيجاد حلول لذلك؟ - المشكلة التي تواجهنا حالياً أن غالبية المرضى يرون بأنهم يجب أن يتلقوا العلاج في أفضل مركز متقدم حتى لو كانت الحال الصحية لا تستدعي ذلك، وفي ذلك ظلم لآخرين من المحتاجين لهذه الخدمات، وهي مشكلة كبرى وقد تكون الوزارة سبباً فيها، إذ إنه من المفترض أن نتعامل مع المريض كشريك وليس كمتلقي خدمة، لكون الشريك دائماً يقدّر الظروف، فالمواطن عندما يدخل الطوارئ وهو يعاني من أنفلونزا يتوقع أن يراه الطبيب خلال خمس دقائق ولا يهمه لو مات شخص آخر بسبب تأخر الطبيب في معاينته، وهنا يجب على المواطن أن يستشعر أهمية الحال الطارئة ويبادر لطلب أن تكون لها الأولوية، ولكن لن يتحقق ذلك إلا عندما يشعر المواطن بأن الطبيب يؤدي عمله على أكمل وجه. ويجب على الوزارة أن تكون مقنعة للمواطن في تقديم خدماتها من خلال تأدية دورها على أكمل وجه ومعاقبة المقصرين، وهم قلة، فإذا وصلنا إلى الشراكة مع المواطن سنكون حققنا النجاح. كيف تصلون لمرحلة الشراكة؟ هل يعني ذلك وجود أزمة ثقة بين المواطن والوزارة؟ - أولاً يجب أن نكون مقنعين، فهناك عدم رضا على الخدمات المقدمة والسبب أننا ركزنا على الخدمات المتقدمة التي تتعامل مع عدد قليل من الحالات المرضية الكثيرة، ومع الأسف لم نستطع إرضاء أحد سواء من يعاني ويحتاج خدمات متقدمة أم الآخرين الذين يحتاجون رعاية أولية وتوجهوا بسبب الأخطاء إلى المستشفيات المتقدمة. أعتقد بأن السياسات الصحية التي بدأت كانت جيدة، ولكن يجب أن توسّع ونركز على الرعاية الأولية والوقاية، وشاهدنا الحملات الأخيرة مثل الأنفلونزا وسرطان الثدي والنجاحات التي حققتها. الثقة لا تُبنى بتوفير مراكز متقدمة، بل تُبنى بتقديم مراكز رعاية أولية، لأنها تتعامل مع 98 في المئة من الناس، كتقديم اللقاحات الأولية، وتوفير كادر رعاية جيد. تعاني المستشفيات في المحافظات والقرى النائية من مشكلات عدة؟ هل هناك آلية لتطويرها؟ - عدد من تلك المستشفيات تعاني ضعف الكوادر الطبية فيها والناتجة من بعدها وطرفيتها، إلا أنها مرتبطة أيضاً بعدم قيام مراكز الرعاية الأولية بدورها وبالتالي زيادة الضغط عليها، لذا لدينا في الوزارة عدد من البرامج الطموحة والمبادرات التي تصب في مصلحة المواطن ومتى ما بدأ تنفيذها سيكون هناك تطور للخدمات الصحية كبير، فإذا قامت الوزارة بدورها في تقديم الخدمات الأساسية المتمثلة في الرعاية الصحية الأولية والصحة العامة ستخفف من الضغط عليها. بدأنا العمل على مبادرة المدن الصحية، ولدينا الآن 26 مدينة من مدن المملكة، ونستهدف من خلالها عدداً من المدن بحيث تكون أنموذجاً ومثالاً يحتذى به، وهي مبادرة مع منظمة الصحة العالمية، وعلى رغم بدئها عام 1998 إلا أننا نرى أهمية تفعيل دورها، ونعمل على ذلك. ماذا في شأن الانتقادات والإساءات التي تعرّضت لها الوزارة؟ هل من إجراءات للتعامل معها بطريقة قانونية تحفظ حق الوزارة؟ - الإساءة تسيء لنفسها، وأفضل رد عليها يكون من خلال نجاح الخدمات التي يتم تقديمها ويكون الحكم للمواطن، كما حدث قبل فترة قريبة في موسم الحج وما تحقق فيه من نجاح، ومن المهم أن يكون لدينا حرفية في تقديم الخدمات للمواطن، ونترك الحكم له. رئيس «القيادة والتحكم»: «كورونا» علّمنا أن الصراحة «مرة».. ولكنها الأفضل اعتبر وكيل وزارة الصحة للصحة العامة رئيس مركز القيادة والتحكم الدكتور عبدالعزيز بن سعيد «كورونا» «درساً». وقال: «تعلمنا منه كيفية الشراكة بين الوزارة والوزارات الخدمية الأخرى، وتعلمنا منه ضرورة إيجاد شراكة بين الوزارة والقطاعات الصحية الأخرى، وأن المشكلات الصحية لا تستطيع وزارة الصحة التصدي لها بمفردها، حتى لو كانت هي المسؤولة الأولى عنها». واستطرد بن سعيد: «تعلمنا أيضاً أن نحسّن لغتنا مع المواطنين، ونكون أكثر شفافية معهم، وأن المواطن يجب أن يكون على إطلاع تام بما يحدث من حوله، تعلمنا أن الصراحة أفضل طريق لكسب الثقة، وأعتقد أنها تجربة ناجحة على رغم مرارتها». وأضاف ابن سعيد: «إن هذه التجربة أسهمت في تطوّر كثير من الأفكار والطرق من بينها تأسيس مركز القيادة والتحكم وفرق الاستجابة السريعة، ووكالة الصحة العامة التي كانت تعمل بمعزل عن وكالة الصحة للخدمات العلاجية باتت الآن تعمل بتكامل معها لاحتواء المرض». وواصل: «كما فعّلنا إرشادات مكافحة العدوى في المستشفيات، وتعلمنا أيضاً التقويم وإيجاد المنافسة بين المناطق وأداء المستشفيات فيها وأضحى هناك نوع من الالتزام الأدبي على الأقل من هذه المستشفيات، وأطلقنا لقاحات الأنفلونزا وأصبح هناك تنافس بين المناطق في أعدادها، وكانت نسبة التغطية في بداية حملة تطعيم الأنفلونزا ثمانية في المئة في الأسبوع الأول، والآن أقل رقم لدينا في كل أسبوع 8 في المئة». وأردف بن سعيد: «لا نزال حذرين من «كورونا»، وهو بالنسبة لنا يعكس سرعة استجابة الوزارة، وكيفية تعاملها مع الحالات الطارئة، وكان فيها اختبار للشراكات بين الجهات الحكومية ووزارة الصحة، وأيضاً المؤشرات الصحية الأخرى، ومنها مكافحة العدوى، والتي بسببها بدأت تقل أمراض أخرى».