قبل أيام من نهاية العام 2015 شهد اليمن تطورين إيجابيين باتجاه إعادة الاستقرار ووأد سلاح الطائفية الذي ينهك الدولة ويزيدها انغماساً في همها الداخلي، أولهما بدء محادثات السلام في جنيف منتصف كانون الأول (ديسمبر) الجاري، برعاية أممية بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي، وقررت في جولتها الأولى وقف إطلاق النار بجوار مساعي التوافق على صيغة تؤدي إلى وقف النزاع الذي أكل الحجر والبشر، وتطبيق القرار رقم 2216. أما التطور الثاني، فهو إعلان التحالف الداعم للسلطة الشرعية في التوقيت نفسه سيطرته على جزيرة «جبل زقر» الاستراتيجية شمال باب المندب في البحر الأحمر بعد أيام من سيطرته على جزيرة «حنيش الكبرى»، وذلك لتأمين طريق الملاحة الدولي والحيلولة دون استغلال الحوثيين هذه الجزر لتهريب السلاح إلى سواحل اليمن، وسيطرة التحالف بعد ذلك على مدن عدة في الشمال. ويعيش اليمن على صفيح ساخن منذ اندلاع الثورة التي أطاحت الرئيس السابق على عبدالله صالح في نهاية العام 2011، ووصل المشهد إلى الذروة في 20 كانون الثاني (يناير) 2015 مع محاصرة مقر الرئاسة. وأخذ منحنى العنف في التصاعد منذ 22 آذار (مارس) الماضي مع هجمات شنَّها الحوثيون والقوات الموالية لصالح للسيطرة على محافظة عدن وتعز ومأرب. والسلوك الحوثي الراهن في عدائه للدولة اليمنية لم يكن الأول من نوعه، فالحوثيون منذ بداياتهم في «حزب الحق» مطلع التسعينات، وبعده «الشباب المؤمن» في منتصفها، وهم يناصبون الدولة العداء. ولم يكن ما حدث في العام 2015 بدوره جديداً، فقد بدأ الصراع العلني والمسلح بين النظام الحاكم في اليمن والحوثيين في العام 2003، وهو الصراع الذي تسبب في خسائر بشرية ومادية هائلة في صفوف الجيش والمواطنين ناهيك عن تشريد أعداد كبيرة من اليمنيين، وتدمير المنازل والطرق والجسور وغيرها من مرافق البنية التحتية. والأرجح أن السلوك الحوثي المدعوم من إيران أثار قطاعات سياسية وقبلية معتبرة في اليمن، ناهيك عن امتعاض دول الخليج، وفي الصدارة منها السعودية، التي دشَّنت ما عرف بتحالف «عاصفة الحزم» بموجب المادة «51» من ميثاق الأممالمتحدة لاستعادة السلطة الشرعية في البلد بمشاركة العديد من الدول الخليجية، وتقديم المساعدة اللوجستية من الولاياتالمتحدة الأميركية. وكشفت الاختراقات الحوثية عن حضور الدور الإيراني بكثافة في اليمن، ووفَّر حاضنة إقليمية للمشروع الحوثي. كما زوَّدت طهران جماعة الحوثي بالتخطيط والمعلومات، والتغطية الإعلامية، وتوفير السلاح والأموال. وفي ظل هذه الحالة الضبابية التي تسود تفسيرات ما حدث في صنعاء والمشهد اليمني برمته، يُفتَح الباب واسعاً أمام تساؤل رئيسي بشأن السيناريوات المستقبلية التي تنتظر اليمن، لاسيما وأن ثمة مخاوف من انزلاق البلاد إلى حرب أهلية. وثمة مؤشرات على تصاعد القلق من مستقبل اليمن، فبالإضافة إلى البيئة القلقة والشديدة الاضطراب، والتي تعود إلى جملة من العوامل الهيكلية منها: ندرة الموارد الاقتصادية ووصول معدل الفقر إلى نحو 54 في المئة والبطالة في أوساط الشباب إلى 60 في المئة وفقاً لتقديرات البنك الدولي الصادرة في مطلع كانون الأول (ديسمبر) الجاري. في المقابل ما زالت الصدارة للعقلية القبلية، والتمايز الجغرافي والثقافي، والتدخلات الخارجية المستمرة. كما أن اليمن سار في السنوات الأخيرة في طريق متعرج لم تحدد ملامحه بوضوح. فبجانب سياسات الرئيس هادي التي قامت على مغازلة قوى الداخل لضمان تسوية سياسية تجمع كل ألوان الطيف السياسي، كان الحوثيون يمضون قدماً في إنفاذ مشروعهم المتمثل في الاستيلاء على السلطة وإعادة صوغ الدولة والمجتمع في ضوء رؤيتهم الفكرية والسياسية، والتي تقوم على نظرية الولاية، وإحياء المشروع التاريخي الذي يقوم على مناصرة آل البيت في وجه التيارات المناهضة له. وثمة سيناريوات متوقعة للمشهد اليمني بنهاية العام 2015 أولها احتمال تصاعد النفوذ الحوثي الذي يعتمد في جوهره على استمرار تفتت القوة السياسية وتوزعها على عدد من الأطراف المتصارعة، وهو الأمر الذي أسهم ولا يزال في تسهيل تمدد واتساع نفوذ الحوثيين. أما السيناريو الثاني، فهو أن يلعب الرئيس هادي دوراً مؤثراً في صوغ المشهد اليمني بعد عودته إلى عدن، وتشكيله حكومة لإدارة البلاد. غير أن السيناريو يظل مرتبطاً بالأداء السياسي للرئيس هادي من جهة وتكريسه مفهوم وحدة اليمن وتعزيزه من جهة أخرى، فحال استمراره في شكله الضعيف والمترهل، أو مراوحته إزاء تشطير اليمن سيكون مردود كل ذلك سلباً على المشهد اليمني برمته. خلف ما سبق، ثمة سيناريو ثالث يرتبط بإحداث تسوية سياسية للأزمة في اليمن، خصوصاً أن التحالف الداعم للسلطة الشرعية بات اليوم على قناعة بأن الحل السياسي هو الطريق لمعالجة الوضع في اليمن ومنع تمدد الجماعات الإرهابية. ويعزز هذا السيناريو امتلاك اليمن مخرجات حوار وطني وبيئة إقليمية داعمة للاستقرار، وواعدة بلعب دور مؤثر في إعادة إعمار البلاد. والأرجح أن الخيار السياسي يظل أفضل من الحسم العسكري الذي يبدو بعيد المنال بالنظر إلى الطبيعة الجبلية الوعرة لليمن، وندرة الخرائط الطوبوغرافية، والتي تقف عائقاً أمام أي قوة برية نظامية. يبقى سيناريو رابع وهو احتمال قيام حرب أهلية طويلة وممتدة، قد تسفر عن تشطير اليمن وتقسيمه إلى دويلات.