حمّلت النيابة المصرية الرئيس السابق حسني مبارك، بالاتفاق مع وزير داخليته حبيب العادلي، مسؤولية المواجهة العنيفة والقمعية للمتظاهرين السلميين المناهضين لنظام الحكم، وقتل المتظاهرين لحملهم على التفرق، خلال «ثورة يناير» 2011. وأكدت في مرافعتها أمس في قضية قتل المتظاهرين خلال الأيام الأولى لاندلاع «ثورة يناير»، أن الشرطة تبنّت سياسة قمعية في مواجهة المتظاهرين الذين كان هدفهم «مستقبل أفضل لبلدهم وإسقاط حاكم مستبد»، قبل أن ترجئ محكمة جنايات القاهرة التي يمثُل أمامها مبارك ونجلاه (علاء وجمال) ووزير داخليته ومساعدوه، إلى بعد غد (الثلثاء) لاستكمال مرافعة النيابة. وطالبت النيابة العامة في مرافعتها بتوقيع أقصى عقوبة مقررة قانوناً ضد المتهمين جميعاً، بعدما استعرضت خلال الجلسة أدلتها ضد المتهمين وارتكابهم جرائم الاشتراك بالتحريض والاتفاق والمساعدة على الاعتداء على المتظاهرين، واستخدام الذخيرة ضدهم (الرصاص الحي والخرطوش وقنابل الغاز) على نحو تسبب في وقوع أعمال القتل والإصابة. ومن بين تلك الأدلة شهادة الشهود كأدلة قولية، إضافة إلى تقارير طبية عن القتلى والمصابين، والمعاينات لمحل الأحداث، وبعض الاسطوانات المدمجة التي قامت بتسجيل مشاهد مصورة للأحداث محل القضية. ومع انطلاق مرافعة النيابة، بات من المتوقع أن تصدر المحكمة أحكامها قريباً في قضية إعادة محاكمة مبارك ونجليه والعادلي. إذ إن بعد انتهاء مرافعة النيابة بعد غد، سيتم تحديد جلسات لمرافعة الدفاع عن المتهمين، قبل أن تحدد المحكمة موعداً للنطق بالحكم وهو أمر متوقع أن يكون في أواخر الشهر المقبل. وينتظر ألا تُصدر المحكمة في حق مبارك والعادلي أحكاماً أقصى من السجن المؤبد (25 عاماً) وهي الأحكام التي صدرت في حقهما في المحاكمة الأولى ولم تطعن فيها النيابة. والمجال مفتوح لصدور أحكام قاسية في حال إدانة مساعدي وزير الداخلية، إضافة إلى نجلي مبارك ورجل الأعمال الفار حسين سالم المتهمين في قضايا فساد. وكانت النيابة اعتبرت في مستهل مرافعتها أن القضية التي يحاكم بها المتهمون (مبارك والعادلي ومساعدوه الستة) هي قضية قتل «ولكنها ليست كغيرها من قضايا القتل التي تنظرها المحاكم... إنها قضية نساء ترمّلت، وأطفال يُتّموا والحسرة تملأ قلوبهم... مواطنون سقطوا ما بين قتيل وجريح من أبناء هذا الوطن... متهمون قست قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، فبدلاً من أن يحيطوا المتظاهرين بالعطف، استخدموا كل الوسائل القمعية». وذكرت النيابة أن «القضية تمثّل تجسيداً حقيقياً للعلاقة بين الحاكم والمحكوم وسيادة القانون على الكافة، على الحاكم والمحكوم، وتأكيد سقوط عصر الحاكم الفرد ونهاية عصر الاستبداد، وأنها بمثابة درس لحاكم اعتبر نفسه بديلاً من الشعب، متوهماً أنه لا يخضع للمحاسبة أو المساءلة وأنه فوق القانون... هذه قضية هي درس لكل من يريد أن يحكم بأن لا أحد فوق القانون أو بمنأى عن الحساب، وإنما القانون فوق الجميع وأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة». وقالت النيابة إن القضية «تؤكد درساً عظيماً، تذكّر الحاكم بأنه سيتجرد يوماً من دور السلطان ويعود إلى صفوف المواطنين... إن قضيتنا تأخذ مصر إلى آفاق جديدة بتحول الحاكم المستبد إلى مواطن عادي، ومن ثم تتم محاكمته إذا أخطأ أو أفسد، وترسي دولة القانون، وها هو الشعب المصري العظيم يقتاد المتهمين إلى قاضيهم الطبيعي»، وأشارت إلى أن مبارك «بحث قيام وزارة الداخلية بالمواجهة الأمنية للتظاهرات التي ستخرج يوم 25 كانون الثاني (يناير) 2011 كحل وحيد، وكيفية التعامل معها... عُقد على أثر ذلك اجتماع برئاسة رئيس الوزراء (أحمد نظيف) في القرية الذكية بحضور قيادات من وزارة الداخلية وأمين عام مجلس الوزراء، وطرح خلاله الأول والثاني ما لديه من معلومات حول الدعوات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت، للتظاهر يوم 25 كانون الثاني الذي يوافق عيد الشرطة». وأشار ممثل النيابة إلى أن خلال ذلك الاجتماع، طُرحت فكرة قطع اتصالات شبكات المحمول والانترنت، وأن مبارك وافق على تلك الخطة، وقام المتهم الثاني (العادلي) بإصدار تعليمات بقطع خدمات التليفون المحمول والانترنت عن ميدان التحرير، وعقد العادلي اجتماعاً بمساعديه من المتهمين لوضع خطة التعامل التي وافق عليها مع المتهم الأول. وتابعت النيابة قائلة إنه في يوم 25 كانون الثاني 2011 «خرجت تظاهرات سلمية احتجاجية لم تشهدها البلاد من قبل، واتسمت بالحشد من غير ذوي الانتماءات السياسية والكثير من المحافظات التي شاركت في تلك التظاهرات، للقضاء على الفساد ووضع الحد الأدنى للأجور، وتحقيق العدالة، ووقف عمليات التعذيب التي تتم بواسطة رجال الشرطة، وإلغاء حال الطوارئ، وحل مجلسي الشعب والشورى وتشكيل حكومة وطنية جديدة، ووقف تصدير الغاز لإسرائيل، والإعلان عن رفض توريث الحكم». وأكدت النيابة العامة أن المتهم الثاني (العادلي) «أصدر تعليمات إلى المتهم إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة في ذلك الوقت بفض ذلك الاعتصام، وتم في منتصف ليل ذلك اليوم (25 يناير) الأمر بذلك، في حين شهدت محافظة السويس تظاهرات شعبية وتظاهرات احتجاجية اتسمت بالسلمية، غير أن قوات الأمن واجهتهم بالتعدي عليهم، ما أدى إلى مصرع اثنين وإصابة آخرين توفي أحدهم لشدة إصابته، فيما واصل المتظاهرون تظاهراتهم في مختلف المحافظات». وأوضحت النيابة أن «حركة 6 أبريل» وصفحة «كلنا خالد سعيد» على موقع «فايسبوك» «قامتا بالدعوة إلى تنظيم تظاهرة احتجاجية يوم 28 كانون الثاني تحت مسمى «جمعة الغضب» على أن يكون الانطلاق فيها من الشوارع الخلفية لميدان التحرير، مع تنظيم الاعتصام المفتوح، ليظهر حينها للمرة الأولى شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»... فشعر المتهمان مبارك والعادلي بالخطر على نفسيهما ومنصبيهما، فاتفقا على حشد أعداد كبيرة من قوات الشرطة وتكليفها بفض التظاهرات في ميدان التحرير وكل الميادين العامة في المحافظات بأي طريقة، وذلك بإطلاق أعيرة نارية على بعض المتظاهرين، حتى ولو أدى ذلك إلى قتل بعض المتظاهرين بغية حض البقية على التفرق... كما اتخذ العادلي قراره بقطع خدمات التليفون المحمول والانترنت حتى يقلل بذلك التواصل بين المتظاهرين وبعضهم بعضاً لتقليل عددهم». وأضافت النيابة أنه في يوم الجمعة 28 كانون الثاني (يناير) 2011 «احتشد المتظاهرون عقب صلاة الجمعة، في كل المحافظات، ودخلوا في مسيرات سلمية حاشدة ضمت أعداداً كبيرة وغفيرة من المواطنين، من غير ذوي الانتماءات السياسية، وأنه على رغم تعليمات المتهم حبيب العادلي بالتعامل الأمني العنيف مع المتظاهرين لتفريق التجمعات، إلا أن قوات الأمن عجزت مع هذا العدد الهائل من المتظاهرين عن تنفيذ التكليفات الصادرة لها بتفريقهم». وأكدت النيابة أن قوات الأمن استخدمت العنف وأسلحة الخرطوش لتفريق المتظاهرين، ما أدى إلى قتل المجني عليهم، وعددهم 225 قتيلاً، وإصابة ما يقرب من 1635 شخصاً آخرين. وأكدت النيابة العامة أن قوات الشرطة أطلقت الأعيرة النارية والأسلحة الخرطوشية على المتظاهرين، وانطلقت بعض مركبات الشرطة لدهس البعض وقتل البعض الآخر، وقام أحد الضباط «برتبة نقيب» بإطلاق النيران من سلاحه على الصحافي أحمد محمود بالأهرام وهو يقف داخل شرفة مكتبه، فقتله على الفور. ولفت ممثل النيابة العامة إلى أنه على رغم أن المتظاهرين كانوا يحملون جثامين الشهداء، إلا أن قوات الشرطة لم تكفّ عن إطلاق الرصاص عليهم، فاستمر سقوط القتلى والجرحى. محاكمة المرشد السابق ل «الاخوان المسلمين» في غضون ذلك، قررت محكمة جنايات المنيا برئاسة المستشار سعيد يوسف صبره، أمس السبت، تأجيل محاكمة الدكتور محمد بديع المرشد السابق لجماعة «الإخوان» المصنّفة «إرهابية» و545 متهماً آخرين في مركز مطاي، إلى غد (الاثنين). كما قررت المحكمة رفض طلب محامي الدفاع برد المحكمة. وكانت الجلسة بدأت وسط إجراءات أمنية مشددة، ووضعت أجهزة الأمن خطة أمنية مكثفة لتأمين مجمع المحاكم، ودفعت بقوات خاصة من الأمن المركزي والأمن العام والبحث الجنائي لضمان تأمين المحاكمة، كما تم غلق بعض الشوارع في محيط المحكمة كإجراء احترازي ومنعت قوات الأمن وسائل الإعلام والصحافيين من تغطية الأحداث أو تصوير المتهمين. وكان المحامي العام لنيابات شمال المنيا أحال المرشد العام لجماعة الإخوان و 683 متهماً من قيادات وعناصر الجماعة في المنيا على محكمة الجنايات بتهمة التورط في أحداث العنف التي وقعت في مركز العدوة، كما أحال 545 متهماً على المحاكمة في أحداث مركز مطاي. ووجهت النيابة العامة الى المتهمين أكثر من 15 تهمة منها ارتكاب أعمال عنف والتعدي على أشخاص وتخريب منشآت عامة، وبخاصة في مركزي العدوة ومطاي، وتكدير السلم العام وارتكاب جرائم الاعتداء على الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة، وحمل بعضهم أسلحة نارية وأدوات تستخدم في الاعتداء على الأشخاص، واقترنت بالجرائم السابقة جنايات قتل عمد ضد رجال شرطة.