يبدو ان الساسة العراقيين أغفلوا أو أنهم غافلون فعلاً عن مفهوم المعارضة البرلمانية التي يعد اتساع رقعتها داخل أروقة مجلس النواب من الظواهر الصحية، كونها ستساهم في تصحيح مسار عمل البرلمان والحكومة نحو الافضل في البلدان التي تتخذ من الديموقراطية أساساً رصيناً لحكمها. في العراق، وبعد اعلان نتائج الانتخابات التشريعية، بدأت الكتل والأحزاب السياسية التي كان لها الحظ الأوفر في الحصول على المقاعد البرلمانية، بالتزاحم والتدافع للفوز بحق تشكيل الحكومة المقبلة، كما أشير في الدستور العراقي الدائم، الذي نص على «ان الكتلة الحائزة على غالبية الاصوات هي التي يعهد اليها تشكيل الحكومة». لقد صار هذا النص هو الآخر مثار شد وجذب بين الكتل السياسية، بحيث تفسر قائمة ائتلاف العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي النص الدستوري لمصلحتها كونها الكتلة الفائزة بغالبية الأصوات انتخابياً، بينما ترى قائمة ائتلاف دولة القانون التي حلّت في المركز الثاني بعد العراقية وبفارق مقعدين اثنين في عموم العراق، أن ما نص عليه الدستور حول الكتلة التي لها الحق في تشكيل الحكومة هي تلك الأكثر عدداً في البرلمان، بعدما تتحالف او تندمج مع كتل أخرى، الأمر الذي يعني انها كذلك فسرّت النص الدستوري بما يتماشى ورغبتها في الاحتفاظ بمنصب رئيس الوزراء الذي سيكون حتماً لأحد مرشيحها، كونها حاصلة على مقاعد أكثر في البرلمان. وبين مؤيد ومعارض لتفسير المحكمة الاتحادية ما نص عليه الدستور حول من هي الكتلة التي سيكون لها الحق في تشكيل الحكومة، تتجلى فكرة ان هذه الكتل، أغفلت او تغافلت موضوعاً في غاية الأهمية ألا وهو المعارضة البرلمانية. وتعتبر المعارضة واحدة من الأركان الرئيسة في النظم البرلمانية، كونها تقوم بدور المتابع والمراقب لأفعال القائمين على السلطات، فهي تحاسبهم معنوياً أو فعلياً حول مدى التزامهم وادائهم السياسي، كما أنها تقوم بمساءلة القائمين على السلطات التنفيذية معنوياً أو فعلياً على مدى التزامهم قانون مؤسسة الدولة ومدى تحقيقهم فكرة الدولة أي تحقيقهم مصالح أبناء الشعب، وبذلك تكون المعارضة تعبيراً عن حال عدم الرضى عن فعل ما أو مبدأ ما ومن ثم العمل على تغييره. وعلى رغم تأكيد القيادي في قائمة «العراقية» الانتخابية أسامة النجيفي، أهمية «وجود معارضة برلمانية لمراقبة الأداء الحكومي وتصحيحه إذا اقتضى الأمر “، مبيناً أن «عدم وجودها يمثل خللاً في العملية الديموقراطية»، ورافضاً فكرة ان «يتمثل جميع الكتل النيابية في الحكومة المقبلة»، إلا أن المعطيات تشير إلى عدم إيمان ائتلاف علاوي أو حتى القائمة التي يتزعمها المالكي بهذا النوع من المعارضة، على رغم أنها، من الناحية العملية، لا تقل أهمية عن السلطة التنفيذية المتمثلة بمجلس الوزراء برئيسه ووزرائه والمسؤولين فيه، فالحكومة وجدت كي تقدم الخدمات للمواطنين وتوفر الأمن والعيش الكريم لهم، ولأجل أن يتحقق ذلك بالشكل الأمثل، لا بد من وجود معارضة برلمانية حقيقية لمراقبة الأداء الحكومي واكتشاف الخلل الذي يعتريه ومحاولة إصلاحه من خلال مجلس النواب.