الْتبسَ الأمر على إعلاميين من حضور «ندوة الأخطاء الطبية... وآليات التعامل معها»، إذ حضروا لسماع ومناقشة مشكلات الأخطاء التي تجري في المنشآت الطبية، غير أن جزءاً عريضاً من الندوة خصص للهجوم على وسائل الإعلام، ولا سيما المكتوب، من بعض مسؤولي وزارة الصحة، وعدد من الشخصيات التي دعتها الوزارة ذاتها. وغلبت كثرة الحضور الذين زادوا على 70 شخصاً تقريباً، (منهم وزراء ووكلاء ومديرون وأعضاء في جهات حكومية)، «شجاعة» الإعلاميين الذين لم تتح فرصة الحديث سوى لاثنين منهم للدفاع عن رجال «السلطة الرابعة»، كما لم يحضر أحد من رؤساء التحرير أو كتاب الأعمدة الصحافية لإبداء وجهات نظرهم في تعامل الصحافة مع الأخطاء الطبية، «وهو ما مكّن بعض الحضور من إبراز أنيابهم للنيل من الإعلام والإعلاميين»، كما قال أحد الإعلاميين بعد انتهاء الندوة، فيما كان لافتاً غياب «هيئة الصحافيين السعوديين» عن المشاركة في الندوة. وعلى رغم أن «ندوة الأخطاء الطبية... وآليات التعامل معها»، التي أقيمت أول من أمس في الرياض، كادت تتحول إلى ندوة متخصصة في نقد وسائل الإعلام المكتوبة بسبب «التناول الخاطئ» لقضايا الأخطاء الطبية، لدرجة أن وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة، عبّر عن رجائه بأن تكون هناك ندوة أخرى عن «الأخطاء الإعلامية»، إلا بعض المداخلات كانت أقرب لروح الندوة، ولا سيما من وزير العدل، الذي ذهب للكشف عن بعض التحديات والحلول في تعاطي القضاء مع الأخطاء الطبية. وخلال أكثر من شخصية تحدثت في الندوة «ندوة الأخطاء الطبية... وآليات التعامل معها»، تم توجيه رسائل ونصائح ومواعظ للإعلاميين، عبر الوزراء والحضور، حتى إن أعضاء مجلس الشورى الذي اتهم بعض الإعلاميين بأنهم يكتبون عن الأخطاء الطبية «لأهداف أخرى»، كما تكررت كلمات «العقوبة» و«التشهير» بحق الإعلاميين المخطئين في تناول الأخطاء الطبية، لدى أكثر من مداخل. وعلى الجبهة الأخرى، لم تحمل الندوة سوى مداخلتين من العاملين في الحقل الإعلامي، الأولى من نائب رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» الدكتور خالد الفرم، الذي أكد أن وسائل الإعلام تتناول قضايا الأخطاء الطبية «من جانب إنساني، ولا يوجد تهويل كما وصف بعض الحضور»، مضيفاً: «المواطن هو يأتي إلى الصحيفة بحثاً عن حقه بعد أن شعر أنه لم يحصل عليه»، مشيراً إلى أن «هناك بعض الأخطاء التي يرتكبها الإعلاميون، ولكن لا تقارن بعدد الأخطاء الطبية»، مشدداً على أن «المواطن بات لديه الوعي الكافي لمعرفة حجم التعويضات التي يحصل عليها إن تعرض لخطأ طبي، مقابل التعويضات التي ينالها من يماثله في الدول الأخرى»، وكانت المداخلة الثانية من مدير مكتب «الوطن» في الرياض جاسر الجاسر، قائلاً: «ليت مسؤولي الصحة استعرضوا حجم الأخطاء الطبية لدينا، كما استعرضوا عدد الأخطاء التي تحدث في أميركا وبريطانيا»، مؤكداً أن «احتكار المعلومة لدى المسؤولين والتكتم عليها يؤدي إلى عدم التأكد من صحة المعلومات لدى الإعلاميين، ومن ثم ينشب الخلاف بين المسؤول والإعلامي». وفي حضور وزراء الصحة والعدل والثقافة والإعلام، ألقيت ثلاث أوراق عمل من ممثل تلك الوزارات، إذ قال ممثل وزارة الثقافة والإعلام عبالرحمن الهزاع الإعلاميين إن «وزارة الثقافة والإعلام لا ترغب - وليس من سياستها - في مصادرة الحريات في الخبر أو المقالة أو التقرير، ولكنها في الوقت نفسه لا يمكن أن تدع الحبل على الغارب لكل من أراد أن يسيء أو ينتقص من قدرات هذا البلد سواء في مجال الطب أو غيره من دون وجه حق»، ضارباً بنموذجين من كتاب الصحف اليومية كانا يتحدثان عن الأخطاء الطبية ب«أسلوب تهكمي استفزازي». وأضاف: «مثل هذه المقالات لن تؤدي إلى إصلاح أي خطأ ولكن ما ستفعله هو التشكيك في قدرات كل الكوادر والمنشآت الطبية وإظهار المملكة أمام الآخرين بأنها في مصاف الدول المتأخرة طبياً، وهذا أمر يناقض الواقع ولا يقبل به منصف». وشدد على أن وزارة الثقافة والإعلام لا تقف أمام الشفافية في الطرح وتحديد ومحاسبة المقصر جراء ما فعل إذا ثبت تقصيره، مؤكداً إدراكها تمامًا أهمية تناول وسائل الإعلام قضايا تمسّ حياة الإنسان باعتبار هذه الوسائل مرآة تعكس واقع المجتمع ومتطلباته، داعياً إلى أن تتاح الفرصة لكل شخص أو مؤسسة تعرضت للنقد بسبب خطأ طبي لإيضاح وجهة نظرها وما ترغب في قوله رداً على ما قيل أو كتب، «فلربما خفيت الحقيقة أو حاول الشاكي إخفاءها رغبة في الإثارة والتهويل واستمالة للآخرين للتعاطف معه والقناعة بشكواه». وبين المتحدث باسم وزارة الثقافة والإعلام أن الوزارة لديها لجنة مختصة بالنظر في المخالفات الصحافية يشارك فيها ممثلون من وزارات الداخلية والعدل والتجارة ومستشاران قانونيان تنظر من بين ما تنظر الشكاوى المتعلقة بالأخطاء الطبية. كما تليت في نهاية الندوة 22 توصية، جاء في آخر ثلاث منها موجة إلى وسائل الإعلام: «حث وسائل الإعلام على استسقاء المعلومات عن أي قضية من مصادرها الأصلية وليس من أحد أطراف النزاع ولا يتم النشر إلا بعد الحكم النهائي، وحث وسائل الإعلام على التغطية الإعلامية بما يثبت بطلانه والتعامل معه بالدرجة نفسها التي تعاملوا بها مع الخبر في المرة الأولى وحث وسائل الإعلام على عدم الإعلان عن أي منتج طبي غير مسجل صحياً لدى الجهات المختصة ومساءلة الجهة التي تقوم بهذا العمل». العيسى: عدم تفرغ أعضاء «الهيئة الشرعية» سبب في تأخر القضايا أقر وزير العدل الشيخ الدكتور محمد العيسى، في حديثه أثناء الندوة، بأن من أسباب تأخير البت في القضايا الطبية المرفوعة لدى الهيئات الطبية الشرعية نتيجة «أن أعمال الهيئات يتم خارج الدوام الرسمي» متمنياً أن «يكون أعضاء الهيئة متفرغين تفرغاً كاملاً». وأكد العيسى في تصريح إلى «الحياة»، أهمية أن تكون مثل تلك القضايا الطبية في محاكم متخصصة، ولا سيما أن نظام القضاء يسمح بذلك، كاشفاً أن قضايا عدة حكمت فيها الهيئات الصحة الشرعية قد عدل في الحكم الصادر من هيئة التدقيق في ديوان المظالم وألغت عدد من الأحكام الصادرة، بيد أنه قال أن «الثغرات قد تكون موجودة في أي نظام، ولكن يمكن تداركها». وفي سؤال لأحد المتداخلين حول الديات المقدرة لمن تعرض لخطأ طبي وبأنها الأقل على مستوى الخليج، أكد العيسى أن «هناك فراغاً في إعطاء موضوع الديات حقه من الاستقراء والبحث»، غير أنه أكد أنه «حالياً تجرى دراسة لتقويم التعويضات المالية الناجمة عن الأخطاء الطبية، وقد انتهى فريق عمل من المحكمة العليا من مسح جزئي في الاستقراء والبحث للوصول إلى التقدير الملائم». واعتبر أن قضية الديات والتعويضات بحاجة إلى «مزيد من الطرح الفقهي»، مؤكداً أن ما يصدر من الهيئة الصحية الشرعية حول الأخطاء الطبية يعد حكماً ابتدائياً، يجوز الطعن عليه أمام ديوان المظالم، كاشفاً أن العديد من أحكام الهيئة الشرعية طاولها الإلغاء من هيئة التدقيق في ديوان المظالم لقلة التقدير، وحكمت بتعويضات مجزية.