لا تزال جهود «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (اونروا) لإعادة إعمار قطاع غزة تسير ببطء بسبب نقص التمويل، واستمرار الحصار الإسرائيلي الذي يزيد الوضع سوءاً، ويرفع كلفة استيراد مواد البناء ونقلها إلى القطاع. ودمرت إسرائيل معظم مناطق القطاع بعد شنها ثلاثة حروب خلال السنوات السبع الماضية، آخرها في تموز(يوليو) 2014 حين استمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية 51 يوماً. وأسفرت عن سقوط حوالي 2100 شهيد، و أكثر من 10 آلاف جريح، بالإضافة إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية وعشرات الآلاف من المباني المدنية، وتشريد أكثر من 100 ألف عائلة غزية. وأوضح تقرير حديث ل«اونروا» صدر بداية شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أن عدد العائلات الفلسطينية التي شُردت نتيجة الحرب الأخيرة، ولم تتلق أي مساعدة حتى الآن لإعادة بناء بيوتها المدمرة بالكامل، بلغ سبعة آلاف و230 عائلة، فيما وصل عدد العائلات التي ما زالت تعيش في منازل متضررة بشكل جزئي ولا تستطيع «أونروا» مساعدتها إلى 66 ألفاً و450 عائلة. وقال الناطق باسم الوكالة كريس غينيس ل«مدرسة الحياة» إن «أونروا وضعت خطة لبدء إعادة إعمار غزة بكلفة 720 مليون دولار، لكن عملية تمويل المبلغ من قبل المانحين تسير بشكل سيء وبطيء». وأضاف أن «عمليات إعادة إعمار غزة ومساعدة المشردين هناك، أصبحت أكثر كلفة بالنسبة إلى المنظمة، بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، والذي يتسبب سنوياً في إهدار أونروا ملايين الدولارات، ما يفاقم الأزمة المالية التي نمر بها». وتفرض إسرائيل حصاراً خانقاً على القطاع منذ العام 2005 حين سحبت قواتها منه بشكل أحادي (من دون التنسيق مع السلطة الفلسطينية)، لكنها أبقت سيطرتها على معابره البحرية والبرية. ويتسبب الحصار في رفع كلفة المعيشة هناك بشكل عام. وتمنع إسرائيل عادة دخول مواد البناء التي يعاني القطاع من نقصها. وقدرت السلطة الفلسطينية كلفة إعادة إعمار القطاع ب7.8 بليون دولار. ولجمع التبرعات، استضافت القاهرة مؤتمراً للمانحين بعد انتهاء الحرب بشهرين تقريباً بمشاركة 50 جهة مانحة، وتعهد المجتمعون تقديم 5.4 بليون دولار لمساعدة السلطة الفلسطينية، على أن يتم تخصيص جزء من المبلغ لإعادة إعمار قطاع غزة. ويُرجع بعض المحللين عدم وفاء المانحين بتعهداتهم المالية في شأن إعادة إعمار القطاع إلى سيطرة «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) عليه. وقال المحلل السياسي والكاتب طلال عوكل ل«مدرسة الحياة» إن «الجهات المانحة ما زالت تعرقل وصول الأموال إلى القطاع لأسباب سياسية تتلخص في حركة حماس التي تحكمه، إذ يوجد لدى المانحين تحفظات عدة على توجهات وسياسات وولاءات الحركة». وأشار عوكل إلى أن «المانحين يرون في استمرار حكم حماس بقاء القطاع تحت تهديد التعرض إلى حرب جديدة، فما الفائدة إذن من إعادة إعمار مكان قد تدمره إسرائيل مجدداً.. فالجهات المانحة لا ترغب في إهدار أموالها». من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة «النجاح الوطنية» الفلسطينية عبد الستار قاسم: «لم نكن نتوقع إعادة إعمار في غزة أساساً، لأن جهات دولية عدة لن ترسل الأموال التي تعهدت بها بسبب اختلافها مع سياسة حماس، لكنني لا ألوم أحداً هنا غير إسرائيل التي خلقت المشكلة منذ البداية، ودمرت القطاع، ولا زالت تحاصره». ويريد المانحون أن يكون للسلطة التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس دور في حكم غزة والإشراف على المساعدات، وهو أمر غير ممكن في الوقت الراهن، بسبب غياب السلطة عن المشهد في قطاع غزة منذ العام 2007 حين سيطرت عليه «حماس» بالقوة، وطردت قيادات السلطة منه.