لسبب ما أجدني دائماً ضد «فيلق بدر» الذي أصبح اسمه الآن «منظمة بدر»، ودخل العملية السياسية في العراق كجزء من منظومة المجلس الإسلامي الأعلى، بقيادة عمار الحكيم الذي ورث المنصب والمجلس عن والده، والذي ورثه بدوره عن أخيه الأكبر. وقوفي ضد هذا «الفيلق» الذي أصبح «منظمة»، بعد أن أراق زعيمه هادي العامري الكثير من الدم العراقي ربما يعود لأسباب قومية، فهذه المنظمة تشكلت في بداياتها من الأسرى العراقيين لدى إيران أثناء حرب الخليج الأولى، وهي قاتلت الجيش العراقي، عندما كانت فيلقاً تعداده مئة ألف مقاتل، إلى جانب الجيش الإيراني، ولا شك في أنه (الفيلق) ولغ في الدم العراقي، فالحرب وقودها البشر لا الحجر. المجلس الإسلامي حصل في انتخابات 2005 على 40 مقعداً، منها عشرة مقاعد لمستقلين ضمن كتلة «الائتلاف العراقي الموحد» آنذاك. في الانتخابات الأخيرة حصل المجلس على 18 مقعداً فقط، وهو ما أدى إلى استياء في أوساط المجلس على مستوى القادة، وراح البدريون بقيادة العامري يجلدون ذواتهم، ليس هذا فحسب، بل إنهم حمّلوا رئيسهم عمار الحكيم مسؤولية الفشل في انتخابات 2010، وكتب الزميل عبدالواحد طعمة من مكتب صحيفة «الحياة» في بغداد، تقريراً إخبارياً يوم الجمعة الماضي، حمّل فيه قيادياً من المجلس رمز لاسمه ب«أبو محمد الجابري»، عمار الحكيم مسؤولية الفشل، بصفته الرئيس الأعلى للحزب (المجلس الإسلامي الأعلى) ومنظمة بدر، هذا أمر جميل. جميل أن ينتقد المرؤوس رئيسه ويحمّله الفشل. هذه هي الديموقراطية التي ينشدها كل من يتوق إلى الحرية. قيادي آخر في المجلس صب جام غضبه على إعلام الحزب والمنظمة، وتساءل ما هو التأثير الذي أحدثته أكبر مؤسسة إعلامية حزبية في العراق تملك 13 صحيفة وقناتين فضائيتين؟ في إشارة واضحة إلى إعلام المجلس الأعلى، متجاهلاً أنه إعلام مذهبي، وأن القائمين عليه غير مؤهلين لمخاطبة عقل الرأي العام والتأثير فيه، لم يدركوا أن «عجينة» المذهب لم تعد تشبع العراقي المطبوخ بدم النوازل والحروب. قيادي ثالث، واضح أنه متزمت جداً، حمّل قياديين في المجلس مسؤولية الفشل، وكشف أنهم (القياديون) قاموا باستقطاب مرشحين ووضعوهم على قائمة الحزب بحجة أنهم «تكنوقراط»، في حين أنهم (المرشحون) لا يمتون للحزب بصلة، وقال: «بعض المرشحين المستقطبين ليس إسلامياً، وبعضهم مدمن خمر وليس له أي تأثير في الشارع العراقي»، وهنا مربط الفرس. هذا القيادي لم يدرك أن رفاقه في الحزب استقطبوا هؤلاء التكنوقراط، ليضعوهم واجهة للحزب، من دون أن يعملوا على تغيير جوهر حزبهم. هذه أصول اللعبة الانتخابية، لكن «البدريين» مارسوها بالروح ذاتها التي عبروا فيها الحدود العراقية - الإيرانية إلى العراق سنة 2003، وهو الأمر الذي أدى إلى فشلهم في انتخابات 2010. بقدر تقديري وإعجابي بالنقد المسؤول الذي مارسه بعض قياديي الحزب والمنظمة، وإن كان تحت أسماء مستعارة، إلا أن القيادي الأخير (الثالث)، الذي يبدو أنه متزمت، بدا وكأنه يعيش في صومعة، بعيداً عن الحراك الاجتماعي العراقي، أقصد الحراك الوطني ضد التمترس خلف المذهب والعرق (بكسر العين)، ناهيك عن أن هذا القيادي لم يقرأ بعد «مزاج» الناخب العراقي، الذي أصبح ينام ويصحو على الدم والفقر «والفرهود» الرسمي بخيرات بلاده. الإنسان العراقي وطني بطبعه، وهو إنسان متحضر، جذوره ضاربة في أعماق التاريخ، خلفه أكثر من سبعة آلاف سنة من الحضارة، وهو لا يمكن أن يختزل تواريخ «سومر وبابل وآشور» ب«عمامة» مهما كان طهرها. كما لا يمكن له أن يبقى صامتاً على الضيم والغبن، بدليل أن مقاومته انطلقت في اليوم التالي لسقوط بغداد، ودمر أول دبابة أميركية في مدينة حديثة بعد يومين فقط من الاحتلال الأميركي لبلاده، وليت هذا القيادي المتزمت قرأ، على الأقل، تاريخ العراق الحديث، وإن باللغة الفارسية أو الكردية، لأنه تاريخ عصي على التزوير، وإن كتب باللغة السنسكريتية، لأنه محفور في قلوب «النشامى» و«الماجدات».