في مؤتمر «الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف»، الذي اختتم لقاءاته في المدينةالمنورة الخميس الماضي، كان له ما له وعليه ما عليه، لكن هناك جملة من التساؤلات التي لا بد من طرحها بعد تجاهل المجتمعين لها، وعدم إدراجها ضمن التوصيات ال20 التي خرج بها، مع الإشادة ببعض ما جاء فيه من توصيات جريئة. لماذا تجاهل المؤتمر في توصياته فتاوى التكفير والعنف؟ هل كان التجاهل عمداً، أم أنها سقطت سهواً من أذهان القائمين على المؤتمر من دون قصد؟ أليست فتاوى التحريم والتكفير تشكّل ظاهرة تعاني منها الأمة؟ أليست هناك محاولات من متشددين لإحراج بعض العلماء عبر حلب فتاوى تضر بسماحة الإسلام، حتى غدت ظاهرة تحتاج إلى درس ومناقشة ومعالجة؟ ضمن توصيات المؤتمر هُوجمت وسائل الإعلام، وكأن تلك الوسائل تقف وراء الإرهاب، وتحمل بين ثنايا أوراقها وعلى شاشاتها الصغيرة قنابل متفجرة وأحزمة ناسفة لإزهاق الأرواح وقتل الأبرياء واغتيال براءة الأطفال، إذ لم تتضمن توصيات المؤتمر معالجة واضحة أو توصية صريحة لعلاقة الفتاوى بالعنف والتطرف. لقد تجاهلت توصيات المؤتمرين دور بعض الفتاوى في تأجيج التطرف، وإشعال الفتن وفتح الذرائع لحفر التكفير في عقول صغار وضعفاء نفوس، حتى حينما أرادت أن تشير إلى شيء من ذلك حمّلت المسؤولية المباشرة إلى الإعلام لا الفقهاء، داعية أجهزة الإعلام إلى وضع ميثاق شرف للقنوات الفضائية، بحظر استضافة أدعياء العلم الشرعي. هل من المعقول ألا يناقش حوالى 500 فقيه ومفكر من العالم الإسلامي ضرورة إضافة صيغة واضحة تنبذ فتاوى التكفير «المعلبة» والمُهدرة للدماء، في وقت يتم التركيز فيه على توصيات أُشبع بعضها ضرباً، مثل الدعوة إلى تشجيع البحوث والدراسات في مجالات ظواهر الغلو وأسبابها ودوافعها ومخاطرها. كانت هناك توصيات حملت بعضها جملاً مفيدة وجريئة، فيما أخرى كانت إنشائية ونمطية، بل ظهر بعضها بعيداً عما تتداوله وسائل إعلام دولية، إذ لم تركز في الرد على ما اعتبرته رسائل «مغلوطة ومشوّهة» عن الإسلام والمسلمين إلا بلغة «مستهلكة». كان يجدر حين الدعوة إلى إنشاء هيئة إعلامية إسلامية تعمل على تحسين صورة الإسلام، وتتبع الرسائل الإعلامية المناوئة والمغلوطة، ألا يتم تجاوز عدد من المحاور التي كان الرأي العام ينتظر مناقشتها وتفنيدها، كعلاقة الفتاوى وقضايا التكفير، وكيفية الحزم في التعامل مع تلك الأفكار لحماية المجتمعات الإسلامية، وتحصينها من شراك الفكر الضال، حتى وإن شدد المجتمعون على «رفض النزعات الانتقامية، وردود الأفعال المفرطة في استخدام القوة»، ونبذوا التفسيرات الخاطئة لقضايا التكفير والجهاد والولاء والبراء. في المقابل، لامس المؤتمرون واقعاً معاشاً يحتاج إلى تصحيح، عبر دعوتهم إلى تقديم خطبة الجمعة بأسلوب يواكب متطلبات وحاجات العصر، على أن تشتمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة والأفكار المنحرفة، مع الابتعاد عن أساليب الإثارة المحفزة على الغلو والتطرف. أيضاً، يحسب للقائمين على المؤتمر إدراج توصيات مهمة، كحث الحكومات العربية والإسلامية على دعم حقوق الإنسان، والحد من البطالة، والقضاء على تهميش الشباب اجتماعياً، والحفاظ على الطبقة الوسطى من التآكل والتهميش. ما ورد حول رفض المشاركين ل«جميع العمليات الإرهابية أينما وقعت ومن أية جماعة كانت»، توصية لها ضرورتها وصيرورتها، على رغم أنها ليست الأولى، إذ كان علماء السعودية سباقين في الوقوف في وجه العمليات الانتحارية، أو ما يسمى بالاستشهادية. لكن في إحدى التوصيات، دعا المؤتمر الدول إلى القيام بتكريم ودعم الأسر، التي تقوم بدور فاعل في حماية أبنائها من الانخراط في صفوف الجماعات المتطرفة، أو في عودة ابنها الضال إلى طريق الحق، وهي توصية لا ضرورة لها. ولا أعلم، هل كان المجتمعون يريد من الدول الانتقال من صناعة الاستراتيجيات والأفكار الوطنية الشاملة إلى تتبع دور الأسرة، والرقابة عليها وعلى طريقة تنشئتها وتربيتها لأبنائها، لتولي مهام تحفيزها وتكريمها عندما تقوم بواجب التنشئة الاجتماعية المعتدلة وتنقية أفكار أبنائها من التطرف، وهو من صلب الواجبات الأسرية والمدرسية. ويلاحظ أيضاً ما ورد في إحدى التوصيات من تحذير من تعطيل التنمية، لكون تلك اللغة لم تكن مستخدمة في اللقاءات الإسلامية الخالصة، كما أن المؤتمر على خلاف المؤتمرات الإسلامية التقليدية، طالب الجماعات والحركات الإسلامية الراعية للعنف بالكف عن «إقحام الإسلام في خطابها الإعلامي الضال»، مستلهماً في الوقت نفسه اللغة الأمنية والاتفاقات الدولية بالدعوة إلى اتخاذ التدابير اللازمة ضد الدول المتورطة في إمداد الجماعات الإرهابية بالسلاح أو المال، أو التي تجعل من أراضيها ملاذاً آمناً للمتطرفين من دول أخرى. خرج المؤتمر ب20 توصية، في لغة تتفاوت بين الحض والحث والهجوم والإشادة، وبين نمطية وتجاوز نمطية، لكن هل سيطبق ما جاء في تلك التوصيات وسيُتابع تنفيذه؟ أم أنها ستبقى مجرد توصيات دُوّنت على هامش مؤتمر يشابه غيره من المؤتمرات العربية والإسلامية؟