تطورات كثيرة تدفع بالملف اليمني إلى رأس أجندة أعمال المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تستضيفها العاصمة السعودية الرياض في 9 و10 من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، لاسيما في ظل الجهود والتضحيات الخليجية التي تقدم لدعم الشرعية وإرساء الاستقرار في اليمن، والتي بدأت من انطلاق «عاصفة الحزم» قبل أشهر، لتتلوها «إعادة الأمل». وعلى رغم أن التركيز المنصب إقليمياً ودولياً على محاربة تنظيم «داعش»، وتطورات الملف السوري، وتنامي ظاهرة اللجوء في العالم، والصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أنه ينتظر على نطاق واسع أن يكون الملف اليمني في صدارة أعمال الدورة ال36 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، باعتباره عاملاً أساسياً في الحفاظ على استقرار المنطقة. وستكون قمة الرياض أول لقاء دوري بين زعماء وقادة دول الخليج يناقش الملف اليمني على هذا المستوى الرفيع من التمثيل منذ القمة التشاورية التي عقدت في الرياض مطلع أيار (مايو) 2015. ويسعى قادة دول مجلس التعاون الخليجي لمواصلة الجهود على جميع المستويات السياسية والديبلوماسية والميدانية والإنسانية لإرساء الاستقرار في اليمن على رغم رفض الميليشيات الحوثية التي انقلبت على شرعية الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي، بالتعاون مع أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح، المحاولة تلو الأخرى لتسوية الوضع، أو الاستجابة إلى حوار يحفظ استقرار البلاد والمنطقة. وأشار تقرير بثتة وكالة الأنباء الكويتة (كونا) إلى تمكن التحالف الذي تقوده السعودية بالفعل، من خلال التنسيق مع المقاومة الشعبية والجيش الموالي للشرعية من تحقيق انتصارات ضد الميليشيات الحوثية، وأنصار صالح وتحرير مدن يمنية منذ إطلاق عملية «عاصفة الحزم»، أتاحت عودة الرئيس هادي وحكومته لإدارة شؤون البلاد من داخل عدن. انطلاقة «عاصفة الحزم» وكان التحالف بدأ عند الساعة ال12 من يوم الأربعاء 25 آذار (مارس) 2015 بتوقيت مكةالمكرمة، غارات جوية في إطار عملية «عاصفة الحزم» تلبية لطلب رسمي من الرئيس الشرعي لليمن هادي، ناشد فيه دول الخليج «تقديم المساندة الفورية بالوسائل والتدابير كافة اللازمة لحماية اليمن وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثية المدعومة من قوى إقليمية»، في ظل تصلب مواقف الميليشيات الحوثية وإصرارها على تجاهل الدعوات الخليجية والدولية لوقف عمليات تقويض الشرعية في البلاد. وأصدرت خمس دول خليجية هي: السعودية، والإمارات، والبحرين، وقطر، والكويت، بياناً في 26 من الشهر ذاته، قالت فيه: «قررت دولنا الاستجابة لطلب رئيس الجمهورية اليمنية الرئيس عبدربه منصور هادي، لحماية اليمن وشعبه العزيز من عدوان الميليشيات الحوثية، التي كانت ولا تزال أداة في يد قوى خارجية، لم تكف عن العبث في أمن واستقرار اليمن».وبينت الدول الخليجية أن تطورات الأحداث في اليمن زعزعت أمن اليمن واستقراره جراء الانقلاب الذي نفذته الميليشيات الحوثية على الشرعية، مشيرة إلى أن تلك التطورات «أصبحت تشكل تهديداًَ كبيراً لأمن المنطقة واستقرارها، وتهديداً للسلم والأمن الدولي». وأوضحت أن الاستجابة لطلب الرئيس هادي جاءت «في ضوء عدم استجابة الميليشيات الحوثية للتحذيرات المتكررة من دول مجلس التعاون، ومجلس الأمن، وانتهاكاتها المتواصلة للقانون الدولي والأعراف الدولية، واستمرار حشودها المسلحة بما في ذلك الأسلحة الثقيلة والصواريخ على حدود المملكة، وقيامها بإجراء مناورات عسكرية كبيرة بالذخيرة الحية قرب الحدود السعودية، استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة». وأشارت إلى أن «الاعتداءات قد طاولت كذلك أراضي المملكة، وأصبحت دولنا تواجه تهديداً مستمراً لأمنها واستقرارها بوجود الأسلحة الثقيلة وصواريخ قصيرة وبعيدة المدى خارج سيطرة السلطة الشرعية». ولم يبادر التحالف الذي تقوده السعودية باتخاذ نهج عسكري منذ بداية الأزمة في اليمن، وإنما تطرق أولاً إلى القنوات الديبلوماسية، من خلال دعوة المملكة إلى حوار في الرياض، تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، بناء على طلب من الرئيس هادي. تعنت الحوثيين ودعا مجلس التعاون آنذاك المكونات السياسية اليمنية كافة، ومنهم «الحوثيون»، إلى سرعة الاستجابة لطلب الرئيس هادي، بالمشاركة في مؤتمر الرياض. فيما نوه في الوقت نفسه باستئناف سفارات دول المجلس عملها من عدن، تأكيداً لالتزامها بدعم الشرعية والعملية السياسية. وما بين تجاهل وتلكؤ «الحوثيين» في التجاوب مع المبادرة، سعت الميليشيات الانقلابية بالتعاون مع أنصار صالح، لمواصلة الزحف، في مسعى للسيطرة على المزيد من المناطق في اليمن، من خلال التقدم نحو عدن التي انتقل إليها الرئيس هادي، بعد الإفلات من الإقامة الجبرية التي فرضها عليه «الحوثيون» في صنعاء، على رغم أن السعودية اعتبرت ذلك منذ بداية الأمر «خطاً أحمر» لن تسمح بتجاوزه. لأنه ينذر بتطورات بتعرض أمنها وأمن جيرانها في منظومة مجلس التعاون الخليجي إلى الخطر. كما لم يلتفت «الحوثيون» إلى قرار تبناه مجلس الأمن في 15 شباط (فبراير) 2015 بالإجماع يدعو عناصرهم إلى الانسحاب الفوري وغير المشروط من مؤسسات الدولة، والكف عن تقويض الانتقال السياسي والأمن في اليمن. وتمادى «الحوثيون» في الاستفزازات عبر إجراء المناورات العسكرية الكبيرة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة في منطقة البقع التابعة لمحافظة صعدة المحاذية لمنطقة نجران السعودية في 12 آذار (مارس) 2015. كما سدت الميليشيات الحوثية الآذان عن قرار آخر لمجلس الأمن صدر في نيسان (أبريل) 2015، يطالبها «فوراً من دون قيد أو شرط» بالكف عن استخدام العنف وسحب قواتها من جميع المناطق التي استولت عليها، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة التي استولت عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية، والامتناع عن الإتيان بأي استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة. ولا تزال الميليشيات الحوثية وأنصارها تتجاهل حتى الآن الدعوات الدولية وقرارات مجلس الأمن وبياناته ذات الصلة بشأن الالتزام بمبادرة مجلس التعاون الخليجي، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وتسريع جهود التفاوض للتوصل إلى حل توافقي. لكن التحالف بقيادة السعودية واصل جهوده من خلال الإعلان في 21 نيسان (أبريل) 2015 انتهاء عملية «عاصفة الحزم»، وبدء عملية جديدة باسم «إعادة الأمل»، بهدف استئناف العملية السياسية وفق قرارات مجلس الأمن وبياناته ذات الصلة، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل. وكان الحوار الوطني الشامل استمر بين آذار (مارس) 2013، وحتى كانون الأول (يناير) 2014، ويعتبر أهم إجراء في اتفاق نقل السلطة المتمثل في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، التي أقرت بعد اندلاع الثورة الشعبية المطالبة بإسقاط نظام صالح الذي تنازل في 27 شباط (فبراير) 2012 عن موقع الرئاسة لصالح نائبه السابق آنذاك عبدربه منصور هادي، بموجب المبادرة التي تقدم بها مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة اليمنية. جهود دبلوماسية لتسوية الأزمة ولم تتوقف الجهود الديبلوماسية لتسوية الأزمة، ومنها موافقة الرئيس هادي على المشاركة في محادثات سلام مع الحوثيين وأنصار صالح، تعقد برعاية الأممالمتحدة في جنيف، في خطوة لاقت ترحيب السعودية التي أكدت على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير في 19 تشرين الأول (أكتوبر) 2015 أن موقف الرياض كان دائماً مع الحل السياسي في اليمن، وأن الخيار العسكري هو الخيار الأخير لدى المملكة ودول التحالف. كما طالب الرئيس اليمني هادي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول (سبتمبر) 2015 الميليشيات الحوثية وصالح بإنهاء مظاهر الانقلاب كافة، والجلوس إلى طاولة الحوار لتنفيذ قرارات مجلس الأمن «بنية صادقة ومخلصة». وأعلن الرئيس هادي آنذاك انفتاحه على جهود الحل السياسي كافة.