يبدو أن مساحة الشباب في الإعلام المغربي ضيقة جداً، على رغم أنه يمثل رصيداً استراتيجياً كبيراً تتجاوز نسبته 65 في المئة من مجموع السكان. فإنعدام مطبوعات خاصة بقضاياه وإهتماماته، يطرح أكثر من تساؤل في ظل تواجد بعض البرامج الاذاعية والتلفزية، القليلة التي غالباً ما تكون ترفيهية. هذا الوضع ساهم في إدمان الشباب المغربي على العالم الإفتراضي كمتنفس يجد فيه ضالته، متخذاً من مواقع التواصل الإجتماعي نوافذ للبوح بآرائه ومواهبه ومشاعره. وأفاد تقرير أصدرته «وحدة مختبر المستهلك» في شركة «إريكسون» لسنة 2015، بأن ارتفاع استخدام الانترنت يقف وراءه الشباب ممن تراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، إذ تزداد عادات استخدامهم الأسبوعي لخدمات الانترنت والتطبيقات الذكية، تشابهاً مع أقرانهم في الدول الغربية، كالمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية. وقال التقرير إن المغرب، على غرار كل من الجزائر وتونس، أصبح يشهد تحولات عميقة على مستوى توجهات استخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات بفضل الشباب الذين ترتفع وسطهم نسبة الولوج إلى الانترنت إلى 70 في المئة. وسجل التقرير الذي شمل دول المغرب العربي، والصادر عن المجموعة السويدية حول موضوع «الانترنت أصبحت متنقلة»، أن 70 في المئة من المغاربة المقبلين على شراء هاتف خلال سنة 2015، سيقتنون هاتفاً ذكياً على غرار بقية سكان المغرب العربي. وأفاد خبراء «وحدة مختبر المستهلك» بأن 97 في المئة من أصحاب الهواتف الذكية في المغرب، يستخدمون تطبيقات الهواتف النقالة، من أجل التزود بالأخبار، والولوج إلى الشبكات الاجتماعية والتطبيقات الترفيهية. هذا الواقع المستفز جعل بعض الباحثين يحذر من الإنعكاسات على الإعلام المرئي والمسموع الذي لا يبرز الحاجات والهموم الحقيقية للشباب، معتبرين أن مشاهدة الشباب المغربي للقنوات التلفزيونية، بخاصة الرسمية منها، تساهم في بلادة فكر الشباب. ويقول محمد الإدريسي الباحث في علم الإجتماع إنّ بعض القنوات التلفزيونية والإذاعات تولي أهميّة كبرى للبرامج الترفيهية، ولا تُخصّص سوى حيّزٍ ضئيل للأخبار والتثقيف، مضيفاً أنّ ما يشاهده الشباب على القنوات التلفزيونية قد يكون في أحيانٍ كثيرة أعمالاً مُضلّلة، كالمسلسلات التركية والمكسيكية وغيرها، التي تبثّها القنوات التلفزيونية، والتي تُقدّم أبطالها على أنّهم يعيشون حياة الترف، بينما حياتهم في الواقع مختلفة، ما يجعل الصورة التي تتكوّن لدى هؤلاء الشباب هيَ أنّهم وحدهم المحرومون، بينما الآخرون يعيشون في بحبوحة العيش. وأوضح الإدريسي ان القنوات التلفزيونية والإذاعات تبحث عن الإثارة من خلال النبش في الحياة الخاصة للفنانين، وكذا تنظيم لقاءات مع خريجي برامج اكتشاف المواهب الفنّية وبخاصة الذين سطع نجمهم في لبنان، من أجل تسويق صورة لدى الشباب مفادها أنّ النجاح والنجومية يمرّان عبر بوابة الفن من خلال المشاركة في هذه البرامج. في المقابل نجد ان من بين المبادرات التي روّج لها الكترونياً وتفاعل معها الشباب واقعياً «برنامج صوت الشباب المغربي» الذي أطلقته في المغرب مؤسسة «آنا ليند» والمجلس الثقافي البريطاني عام 2012 بتمويل مشترك الاتحاد الأوروبي، والذي استطاع حشد أكثر من سبعة آلاف شاب / شابة من خلال شراكات مع مؤسسات ثقافية، تعليمية، ومؤسسات المجتمع المدني غير الحكومية من جميع أنحاء المغرب. ومن خلال البرنامج انخرطت مجموعات كبيرة من الشباب من شتى الأطياف الاجتماعية، السياسية والاقتصادية في العديد من النشاطات التكوينية والمناظرات التي ناقشت مواضيع ساخنة تهم الشباب ومجتمعاتهم، مثل تطوير التعليم، التوظيف، تطوير قطاع الصحة، والحوكمة الرشيدة. واستطاع البرنامج لعب دور محوري نحو ترسيخ ثقافة المناظرات كمنصة أساسية للتعبير عن الرأي، متابعة التغييرات الاجتماعية، وتمكين الشباب، مع الاخذ بالاعتبار أن تنمية الشباب الفعالة تمهد لمشاركة الشباب في طليعة النقاش الوطني.