الخبر الإيجابي الذي طالعتنا به الصحف الأيام الماضية هو وجود لجنة تدرس حالياً تمكين المرأة من المشاركة في العملية الانتخابية عبر الإدلاء بصوتها دون أن تترشح، ولعل اللجنة المشكلة تسرع في الموافقة والتمكين، لأنه لا يوجد حاجز مقنع واحد يمنع من أن تكون المرأة المواطنة خارج حدود دوائر الانتخاب. فكيف لمجتمعي، الذي يبحث عن الصعود والارتقاء، أن يواصل ويستمر في ذلك ونصفه الآخر مهمش ناقص الحقوق، من حق المسلمة البالغة العاقلة أن تبحث عن حقوقها كجزء ثابت في الوطن وتدلي بصوتها، وتُحْتَرَم إرادتها حين جاءت للمكان الصحيح من أجل وطنها الذي أحبها ودعمها، وهي أحبته وتريد أن تدعمه ولو صوتاً وناخبة، متى نخرج من قناعات منتهية الصلاحية حين نُصر على أن ملايين النساء في بلدي خلقن للمطبخ، ودائرة عقولهن لا تتجاوز هذه المساحة الضيقة؟ ولماذا نخاف من كل شيء، ونخشى حتى من مجرد الصوت، ونفترض في كل جوانب حياتنا أن كل اختلاط يؤدي إلى فتنة، وكل شبهة تؤدي إلى رذيلة، بل نختصر ونهمش كل نجاحات المرأة التي حققتها، وحقوقها في إظهار صوتها وإمكاناتها وقدراتها تحت هذه البنود. نُصر على أن منطقة الحركة للمرأة محصورة تماماً، أو يجب حصرها لدرء المفاسد، ونجاحاتها التي حققتها كانت بمساهمة وطن يدرك ويعي قيمة النصف الآخر الذي لن يقوم المجتمع إلا مستنداً عليه، ولنتخيل أنفسنا كم نحن محرومون وبائسون حين نفقد الأم والزوجة والأخت، إن شاركنا معهم ووقفنا بجانبهم فسنلغي كل خطوط التأويل وبذور الشك المزروعة عمداً في الدماغ الرافض لكل ما يصطدم بالأفكار والرؤى، فقط يحفظ «الرجال قوامون على النساء» ويستند عليها، ويقاتل من أجلها فيما هو جاهل حد الخجل من الدفاع عن قناعة أو عادة ولا يمكنه تمرير نفسه في طابور انتظار. لا اعتقد على الإطلاق أن المرأة في مسألة الإدلاء بصوتها ستجلب المتاعب أو تُحْضِر للرأس الصداع، إنما حقها المتوازن في عملية التنمية أن تشارك وتختار لأنها شريكة الرجل في البناء والارتقاء، ولا أظن أيضاً انه من الصعب تهيئة البيئة الانتخابية المرنة بعيداً عن هواجس الخوف العارضة ونوبات القلق المؤكدة حين تشارك في أي نشاط. سخّرنا وفرغنا في تجربتنا الانتخابية الوحيدة السابقة مدارسنا ومراكزنا ومعلمينا وموظفينا لإنجاح العمل وسار بخطى مقنعة بطيئة، لأن العقليات لم تزل مترددة وغير مقتنعة بالفكرة أو دخلتها دعماً للاسم والتاريخ لا للفكر والأفكار، وليس مستحيلا أن نُسَخِّر المدارس والمراكز والأفراد ذاتهم من النساء للإدلاء بالصوت والمشاركة، هن نصف المجتمع ونفاخر ونردد متى ما أردنا ذلك وان خالف الأمر الرؤى سخرنا منهن وأعدنا سطور الضلع الأعوج والخوف من التقويم، نتردد ولكن لن ينكر مواطن مخلص منصف أنهن رفعن الرؤوس، وارتقين بالمكان والإنسان في أكثر من محفل، ولذا آمن الوطن بقدراتهن وطموحهن فأشركهن ونجحن وأبدعن في العمل التطوعي والخيري والاجتماعي والتربوي والصحي والدعوي، على رغم الخوف والشكوك. وللوقت المتبقي للجنة في الدراسة إن أدلت المرأة بصوتها صدقوني ستختار من يحافظ على مصالحها الاجتماعية وكيان أسرتها وأحلامها المشروعة، وهذا يكفي لأنها مقتنعة أنها لن تترشح طالما الإدلاء بصوتها احتاج هذا الوقت!