قبل أن يسجل باراك أوباما نصره الكبير، والوحيد، بعد 14 شهراً له في البيت الأبيض كان حكمي على سنته الأولى في البيت الأبيض هو، بكلمة واحدة، الفشل. وقد جاء إقرار مشروع الضمانات الصحية ليبدد خوفي من خسارة مؤلمة للديموقراطيين في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فحملة اليمين عليه مستمرة، وهي عنصرية تجمع الخصوم السياسيين مع جماعات متطرفة ويمين إرهابي وأنصار إسرائيل وفجور إعلامي يخاطب أحط غرائز الناس. ما وضع أوباما على الطريق هو خطابه في مؤتمر الحزب الديموقراطي سنة 2004، ومعارضته الحرب بحجة جمعت بين الذكاء والقدرة الخطابية. ولا بد من أن قراء كثيرين يذكرون خطابه في جامعة القاهرة وطلاب يقولون «نحبك يا أوباما» ما لم يسمعه رئيس أميركي آخر في نصف قرن. والواقع أن مجرد دخول أوباما البيت الأبيض حسّن صورة الولاياتالمتحدة حول العالم، ولا تزال هذه الصورة أفضل كثيراً مما كانت أيام سلفه جورج بوش. غير أن أوباما يعاني من أنه لا يحاول الرد على خصومه بمثل سلاحهم، فهو مهادن يريد ان يرضي كل الناس، ويتجنب الخصومات الحادة. وفي حين أن برودة أعصابه اعتبرت في البداية نقطة لمصلحته فإن بعض أنصاره يشكو الآن من أن أعصابه باردة أكثر من اللزوم، وهو بالتالي يترك اليمين يهاجمه في شكل وقح فلا يتردد في تحميل إدارة أوباما المسؤولية عن حروب خاسرة واقتصاد مفلس ومشاكل اجتماعية جاءت نتيجة سياسة اليمين المتطرف ومغامراته الداخلية والخارجية. ولم يحاول اوباما بعد نقل المعركة الى الطرف الآخر، وإنما يدافع بالمنطق والحجة في بلد أكثر محطات التلفزيون شعبية فيه هي فوكس نيوز، مع مقدمي برامج يمينية تكاد تكون فاشستية في محتواها. الطبيعة الهادئة لأوباما واعتماده المستمر على المنطق وتجنبه المواجهات الحادة من أسباب فشل السنة الأولى، إلا أنها سبب أقل أهمية من الخلافات داخل إدارته بعد أن خاض حملة انتخابية تميزت بالانضباط التام، ومن رفض اليمين الأبيض العنصري وجود رئيس (نصف) أسود في البيت الأبيض. كان رام إيمانويل أول من اختار باراك أوباما لإدارته الجديدة، وهو في منصب كبير الموظفين يعتبر ثاني أقوى رجل في واشنطن، وقد سبقته سمعته كرجل قادر على إنجاز المهمات الصعبة، وهو بذلك نقيض أوباما الهادئ الوسطي. وقصة واحدة تكفي، فالنائب الديموقراطي اريك ماسا الذي استقال الشهر الماضي تحت وطأة فضيحة جنسية قال إن إيمانويل هجم عليه وكلاهما عارٍ في «دوش» نادي الرياضة التابع للكونغرس ووبّخه وهدده لأنه لا يؤيد الموازنة التي عرضها أوباما على الكونغرس. وفي حين أن الميديا الأميركية كلها سخرت من «القصة» وجعلتها نكتة مع فضيحة تحرش ماسا بموظفين شبان، فإنه يبقى أن هذه العدوانية في طبيعة إيمانويل الذي خدم جندياً في الجيش الإسرائيلي أثارت عداوات حوله داخل الإدارة. وانقسمت الصحف الأميركية، وأحياناً المعلقون في الصحيفة الواحدة كما حدث مع «واشنطن بوست»، بين مدافع عن أوباما ومهاجم. وقالت «لوس أنجليس تايمز» عن الوضع «خنجر في ظهر أوباما». لو كان الرئيس وكبير موظفيه خليطاً من هدوء الأول ومهادنته وعدوانية الثاني ربما كانت الإدارة في وضع أفضل اليوم، غير أن تردد أوباما في نقل المعركة الى اليمين، والخلافات بين كبار الموظفين، جعلت اليمين المتطرف يزداد وقاحة، كما رأينا في هجوم ديك تشيني المستمر على أوباما وحملة ابنته ليز على وزارة العدل التي حولتها إدارة بوش الى مكتب يصدر فتاوى قانونية تبيح تعذيب السجناء والمعتقلين في فضيحة لم تنته فصولاً بعد، مع إصرار بعض المدافعين عن حقوق الإنسان على محاكمة المحامين الذين وفروا غطاء للتعذيب. المركز القانوني للفقر في الجنوب (جنوبالولاياتالمتحدة) أصدر تقريراً الشهر الماضي قال فيه إن منظمات المتطرفين البيض العنصريين زادت 250 في المئة في سنة واحدة وبلغت حوالى 500 منظمة وميليشيا وعصابة تروج لاستعمال السلاح ضد الحكومة. ونسب تقرير المركز زيادة العنصرية الى تردي الوضع الاقتصادي، فقد كان بين الأسباب الأخرى تحريض الميديا المتطرفة مثل فوكس نيوز ورفض كثيرين من البيض أن يكون رئيسهم أسود حتى إذا لم يعترفوا بذلك. وفي حين هاجم اليمين المركز وتقريره واتهمه بتشويه الحقائق، فإن المركز لم يبعد كثيراً عن تقرير مماثل صدر في ربيع 2009 عن وزارة الأمن الداخلي وحذر من أعمال عنف يقوم بها اليمين المتطرف. أكتب وشعوري بأن أوباما قد يخسر فوائد انتصاره في معركة الضمانات الصحية، وبعده اتفاق خفض الأسلحة النووية مع روسيا، فهو لم يتعلم بعد من دروس سنته الأولى في البيت الأبيض، وهو لن ينجح إلا إذا غيّر أسلوبه في الحكم ونقل المعركة الى اليمين ووضعه في قفص الاتهام كما يستحق. [email protected]