ها أنت تدخل الى مكان عملك صباحاً، ثم تدخل الى غرفة مكتبك. وفي كل يوم، يطالعك وجه زميلك «النكد» الذي يسبقك يومياً، كي يتسنى له التملّق الى المديرين والتباهي بأحواله. انت ترى ذلك الوجه يومياً، وصار دماغك مهيئاً لرؤية «نكده» يومياً. سوف لن يبذل دماغك جهداً كبيراً في التعرّف إليه. ولكن، تخيّل لو انك دخلت غرفة مكتبك ذات يوم، فرأيت حماتك جالسة هناك، بدل الزميل النكد! يعتقد العلماء ان دماغك سيبذل جهداً أكبر في التعرّف الى هذا الوجه غير المتوقّع، بالمقارنة مع الجهد القليل الذي ينفقه يومياً في التعرّف الى ذلك الزميل. وأخيراً، تبين أن دماغ الانسان يعمل بالطريقة عينها التي يستخدمها العلماء، والتي توصف بالمنطق العلمي. ويعتمد هذا المنطق على تركيب فرضية معينة، ثم اختبارها واقعياً للتثبّت من مدى مطابقتها والملاحظات الوقائع. وبصورة بديهية، يستعمل دماغ الانسان الآلية عينها، بحسب ما توصل إليه فريق علمي مشترك من «معهد ماكس بلانك» في ألمانيا، وجامعة غلاسكو البريطانية. وبيّنت الدراسات التي أجراها هذا الفريق، ان دماغ الانسان يستخدم طاقة أقل، وبالتالي فإنه يجهد بشكل أقل، عندما يسجّل وقائع قابلة للتوقع، بالمقارنة مع حاله عندما يحاول تسجيل أشياء غير متوقعة واعتباطية. ودرس هذا الفريق، الذي قاده أيلنك، الاختصاصي في العلاقة بين بيولوجيا الدماغ والمعرفة، منطقة من القشرة الرمادية في الدماغ تتخصص في التعرف الى الأشياء بصرياً، وتُسمى «القشرة البصرية الأولية»، كما ترسم خريطة فورية للأشياء التي ننغمس في مراقبتها. وللمرة الأولى، سجّل إيلنك ان تلك المنطقة تبذل جهداً أقل بكثير، عندما تكون الأشياء التي نراقبها، قابلة للتوقّع. وبقول آخر، فإن الدماغ لا يكون في حال تلق سلبية، عندما نتفاعل مع ما يحيط بنا. ولا يكتفي بمجرد تلقي الصور عن تلك الأشياء. فالأرجح انه يستعد لاستقبال الصورة التالية، وعندما تأتي متطابقة مع توقّعاته، تصبح ردود فعله أكثر كفاءة وذكاء. ونشر البحث في مجلة متخصصة بعلوم الاعصاب اسمها «نيورساينس جورنال». واعتبر قفزة كبرى في فهم العلاقة المعقّدة بين الإبصار والفهم، التي وصفها الإنجيل بالعبارة الشهيرة «رأيت فأمنت»، والتي تساوي بين الإدراك البصري للدماغ وبين معرفة أشياء العالم والتيقّن منها.