«ينشر بحر الرمال فتنته في ثوبه الغسقي الساحر كلما سرت بعيداً فيه صار اللون أبعد في الروح وأيقظ بهجته فيك، واستولى على منافذ الحواس والشعور». هذه المقطوعة الأدبية ليست سوى ممر صغير يفرشه الممثل ناصر القصبي وثلاثة من أصدقائه (محمد وعديّ وطارق الخميس) بين المدينة الضاجة بالزحام والصراخ و«نعيق» المنبهات والمخنوقة بالأسمنت والهواء الفاسد، وبين الصحراء الهادئة الممدودة ككف ناعمة للمصافحة و«الطبطبة» على الروح. فعلى غير العادة يظهر ناصر القصبي هذه المرة في المشهد الإعلامي، ليس من خلال شاشة التلفزيون، وإنما عبر كتاب «توثيقي» سماه «الرملة... رحلة مصورة في الربع الخالي»، أراد (ومن معه) من خلاله «رصد رحلتنا بتفاصيلها وضمها في كتاب يندر وجوده في مكتبتنا المحلية والعربية، كتاب مصور لا يتخلله أي تعليق علمي». أرادوا أيضاً «أن تكون الصورة هي الكلمة الأولى لنا، ولأننا في عصر ثقافة الصورة ندرك أننا سنقدم للقارئ الصورة التي تغني عن الشرح، ويكون للكاميرا حضور مطلق، حتى تعطي الصورة حقها». ويعرض الكتاب الذي يقع في 222 صفحة من القطع الكبير، مجموعة من الصور في أحجام مختلفة تدوّن الرحلة «البرية»، التي تجوّل على متنها القصبي في صحراء الربع الخالي في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2005، مسجلاً عبر عدسة مدربة على التقاط «اللحظات الخاصة» تفاصيل 15 يوماً، قطعت فيها المركبات 3000 كيلومتر في اتجاهات الأرض الأربعة، بينما قطعت فيها الأرواح ملايين الكيلومترات نحو السكينة التامة والصفاء الكامل والمتعة اللذيذة. وفي الجزء الأخير من الكتاب الذي كتب باللغتين العربية والإنكليزية، ينشر ناصر القصبي «المذكرات اليومية» التي كتبها على مدار الرحلة البرية التي بدأت في عام ميلادي (2005) وانتهت في آخر (2006)، وحوى الجزء الأول منها هذه العبارة: «نحن الآن في غضا الغزالة نبعد عن حرض 190 كيلومتراً جنوباً باتجاه الرملة. استيقظنا في السادسة صباحاً، تناولنا قهوتنا على عجل، وامتطينا سياراتنا الأربع باتجاه البوح لنلحق بالربع ممن سبقونا»، فيما اختتم الجزء الأخير من هذه المذكرات بالعبارة الآتية: «ها هي الصحراء أمامي تتجرد من ثيابها وتتعرى كل يوم لتحرق جسدها بنهار الشمس، فتستزيد من الشمس ناراً حامية، وتطلب مزيداً من العراء ومزيداً من البهاء والنبل والطهر والبراءة. ها نحن الآن نجر بعضنا إلى الديرة. خرجنا من الرملة. بدأت أشم رائحة المدينة، ها هي آثار زحفها تحاصرنا في كل اتجاه (الإسفلت، الكهرباء، وحتى الناس)، أفتح جوالي فأجد ذاكرته مليئة بالرسائل والمواعيد والتفاصيل والعبث. ها هي مرة أخرى أعراض الغربة تقترب مني (اللعنة، أقبلت على الشقاء والعبث)، كان هذا لسان حالي وقدمي تغوص في وحل المدينة».