لا يستطيع مقدِّم برنامج «شاهد على العصر» إخفاء مناوءته ومعارضته لكل نظام حكم مصر، في برنامجيه «بلا حدود» و«شاهد على العصر» على قناة «الجزيرة». احمد منصور ليس مطالباً بإخفاء ذلك، ناهيكم بكونه ليس مطالباً بأن يخفي المنصّة الأيديولوجيّة (العروبيّة - الإسلامويّة) التي ينطلق منها، أثناء تقديمه برنامجيه، وانتقائه لضيوفه، وطريقة طرحه أسئلته. وفي سياق المسلك الإعلامي، ووفق الأرضيّة السالفة، بالتأكيد إذا كان ثمّة ما يُسجّل على منصور، فإن ثمة ايضاً ما يسجّل له. ما يمكن أن يدعم احمد منصور في مواقفه السياسيّة من الأنظمة المصرية الجمهورية المتتالية، هو حصوله على قيمة توثيقيّة مهمة، ليفتح النار، عن طريقها بخاصة على حقبة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. وتلك القيمة الوثائقيّة، تتجلى اخيراً في الاستماع الى شهادة العقيد أركان حرب عبدالكريم النحلاوي الذي انقلب على حكم عبدالناصر. والحقّ أن انتقاء هذا الضيف المهم بعد مضي نصف قرن تقريباً على انقلابه الآنف الذكر، نقطة جديرة بأن تسجّل لاحمد منصور، وغنيمة كبيرة وقعت في يده، على طريق نبش ماضي وملفّات أحد الزعامات العربيّة، بعيداً من «الفبركات» و«القيل والقال»، وأصناف التطبيل والتمجيد والتسبيح بحمد جمال عبدالناصر، الذي كان وما زال ساري المفعول في أوساط عربيّة واسعة. وكالعادة، كانت ذخيرة الاستجواب والتحقيق والمقاربات الموجودة لدى منصور في استنطاق النحلاوي، عامرة بالوثائق والشهادات والمذكرات التي بدت احياناً على الضدّ مما يقوله النحلاوي، ونادراً ما تتقاطع معه. وكأن منصور أتى بالنحلاوي، ليفنّد اقوال كثر، اضافة الى تحطيم النحلاوي، بشهادته، الوثن الذي حوّل اليه جمال عبدالناصر. كان النحلاوي في غاية الجرأة والهدوء والأناة والاقتصاد في الكلام، أثناء سرد أجواء بداية الوحدة، وكيف حصلت، واستبداد السلطات المصرية في سورية، وتصفية جيشها، ونهب أسلحته...الخ، كل ذلك، مرّ بشكل سلس وشيّق. والاكيد أن هذه السلسلة ستثير بلبلة حول حقبة «دولة الوحدة»، ونسف عبدالناصر لها، وتعاطيه السلبي مع الشعب والجيش السوري، على الضدّ مما كان ولا زال يروّج عن مآثر عبدالناصر، ونزوعه الوحدوي، و «تواطؤ وتآمر الانفصاليين والعملاء والخونة عليه». هو كلام حاضر في مناهج التربيّة، ليس في سورية ومصر فحسب، وبل في بلاد عربيّة. إن شهادة النحلاوي، كشفت الغطاء عن الوجه الآخر لعبدالناصر، أو أقلّه، سمحت بالنظر إليه من زاوية أخرى، بعيداً من التهليل والتبجيل. وهذه الشهادة، لا تفتح قوساً كبيراً، لسؤالٍ اكبر، حول الحقيقة والكذب في كتابة تاريخ القادة والأنظمة في البلدان العربيّة فحسب بل كذلك حول الأجيال، التي تربّت، وتتربّى، ناهلة من حكايات غالباً ما تكون وهمية تنتمي الى التاريخ المزيّف. دون أن ننسى التعريج على الفنون التي تناولت سيرة جمال عبدالناصر، وفق ما هو معروف، من دون إعارة أيّ اهتمام لوجهة النظر الأخرى! في اختصار اشارت هذه الشهادة وتشير الى حجم الوهم الكامن في وعي الأجيال العربيّة، عبر مناهج التربيّة والتعليم. ذلك انّ هذه الحلقات، هي من أبرز الشهادات التي يمكن للباحثين والدارسين العودة إليها بغية رسم صورة اكثر توازناً للقائد والزعيم العربي.