ألقى تراجع نتائج حزب «النور»، الذراع السياسية لجماعة «الدعوة السلفية»، في الانتخابات البرلمانية المصرية، بظلال من الشك على المستقبل السياسي للحزب الذي وقف مع عزل الرئيس السابق محمد مرسي، ويعاني انقسامات داخلية. وأظهرت نتائج أولية للمرحلة الأخيرة من الانتخابات التي جرت في 13 محافظة وأعلنت أول من أمس، أن من بين 75 مرشحاً دفع بهم الحزب السلفي في تلك الجولة، يخوض 8 منهم فقط جولة الإعادة، فيما خسر المقاعد المخصصة للقوائم في دائرة القاهرة (45 مقعداً) لمصلحة قائمة «في حب مصر» المحسوبة على الرئيس عبدالفتاح السيسي. علماً أن «النور» فاز بثمانية مقاعد فقط من إجمالي مقاعد محافظات المرحلة الأولى (286 مقعداً)، ما يعني أن تمثيل الحزب على أقصى تقدير أسفل قبة البرلمان سيقلّ عن 16 مقعداً. وكان عدد من شيوخ التيار السلفي طالبوا قادة «النور» بالابتعاد من العمل السياسي «والعودة إلى العمل الدعوي»، فيما أثار ضعف تمثيل الحزب في البرلمان مخاوف من انعزال قواعده وذهابها إلى تيارات أكثر تشدداً. لكن قيادات «النور» سعت إلى التخفيف من وطأة النتائج، وأظهرت رضاها بدوره المحدود في العملية السياسية، بعدما كان الحزب الثاني في البرلمان السابق. ففي حين ألقى الأمين العام المساعد ل «النور» شعبان عبدالعليم باللائمة على «تفشي المال السياسي والحملات الإعلامية المناوئة»، عمّم نائب رئيس «الدعوة السلفية» ياسر برهامي رسالة إلى قواعد «النور» مطالباً أياهم ب «عدم اليأس». وقال برهامي في رسالته التي نشرت عبر صفحات الحزب والجماعة، موجهاً حديثه إلى شباب ونساء الحزب: «بذلتم كل ما في وسعكم. خذلكم مَن خذلكم، وخالفكم مَن خالفكم، وشمت بكم مَن شمت، وكل ذلك لا يضركم، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: لا تزال طائفة مِن أمتي على الحق ظاهرة لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى تقوم الساعة... لا تيأسوا مِن روح الله إنه لا ييأس مِن روح الله إلا القوم الكافرون». وأضاف: «اختلطوا بالناس، وادعوهم إلى الله، وأوصلوا إليهم صوت الحق، تحملوا الأذى في سبيل الله، واحرصوا على وحدة بلدكم ومصلحته، وحافظوا على كل سبب يؤدي إلى عصمة دماء الناس وأعراضهم وأموالهم. إياكم أن تغيروا مِن منهجكم الذي التزمتم به، ديانةً لله لا لدنيا تصيبونها أو منصب تتبوَّأون». وقال ل «الحياة» الأمين العام المساعد لحزب «النور» شعبان عبدالعليم إن «النتيجة بلا شك ليست مرضية على الإطلاق، لكن الجميع يعلم الظروف التي لحقت بالعملية الانتخابية، سواء المال السياسي الذي تفشى في شكل مخيف وكان له تأثير كبير، لاسيما في ظل ضعف الإقبال، إضافة إلى حملة التشويه التي تعرض لها النور». واعتبر أن الحزب «كان يعمل بين فكي كماشة، حملات الإخوان الإعلامية، إضافة إلى بعض القنوات الإعلامية الموالية للحكم، والتي حضت على كراهية النور وأعضائه». وأقر بتأثير تلك الحملات في شعبية السلفيين، «فأي حزب لا ينجح بنسب كبيرة بفعل تصويت أعضائه، وغالبية من يصوتون ليسوا أعضاءً في أحزاب أو مسيسين، وهؤلاء تأثروا بالمال السياسي والحملات الإعلامية». وأقرّ بأخطاء وقع فيها الحزب «لاسيما في عدم تمكننا من تسويق مواقفنا السياسية في مواجهة تلك الحملات». وأظهر ضمناً قبولاً بالدور الهامشي في العملية السياسية، «فالانتخابات لم تعد مؤشراً إلى شعبية حزب أو تيار، لأن العملية الانتخابية شوّهت بالمال السياسي، وعزوف الناخبين، حتى لم يعد الوصول إلى مقاعد البرلمان بالشعبية أو بالإرادة الشعبية الحرة والخطاب السياسي... لم نرَ أحداً يقدم رؤية سياسية، لكن من يدفع أكثر». واستبعد في شدة الصدام مع الدولة. وقال: «لدينا ايديولوجية واضحة، ولا نتصادم، وإنما سنبذل جهداً كبيراً نحو إعادة الوعي إلى الشارع». كما رفض في شدة ابتعاد حزبه من العمل السياسي «لأن ممارسة العمل السياسي والاجتماعي مطلوبة ولا يمكن التخلي عنها». وينسجم حديث عبدالعليم مع ما أكده الباحث في الشؤون الإسلامية ماهر فرغلي الذي قال ل «الحياة» إن «حزب النور ينطلق من رؤية مفادها بأن أي صدام مع الدولة سيؤدي إلى محنة شديدة لن يستطيع مجابهتها، كما أن لديه رؤية شرعية تكمن في عدم الخروج على الحاكم». وأضاف أن «حزب النور يرى في نفسه القدرة على احتلال مواقع الإخوان في الشارع، والدولة في المقابل تبحث عن ديكور إسلامي دائماً، والنور لا يمانع في لعب هذا الدور». وأكد فرغلي أن الحزب «راضٍ بهذا الدور الهامشي، وليس في أولويات قادته حجم التمثيل في البرلمان، وإنما الأهم بالنسبة إليه التواجد والحضور، والدولة تكافئه على ذلك بالسماح له بإعادة فتح بعض القنوات الدينية، وألا تصادر مراكزه الرئيسة، وترك الحرية لبعض دعاته، وعدم اعتقال أفراده». لكنه نبه إلى أن «رؤية بعض قواعد النور مختلفة عن قادته، فهناك جزء منهم متعاطف مع الإخوان وضد النظام، وجزء آخر قانع، لكن في النهاية ما يسير هو رؤية القادة». وقلّل من المخاوف من تحوّل بعض قواعد «النور» إلى العمل المسلح، «فهذا وارد طوال الوقت بصرف النظر عن التمثيل البرلماني، لأن السلفية أطر متعددة، وسواء فاز في الانتخابات أم لا، هناك تحولات عقلية تجري للأعضاء، فنجد من الممكن أن ينتقل من الإطار الدعوي إلى الجهادي وشاهدنا الكثير من أعضاء السلفية ذهبوا إلى سورية أو العكس». من جهة اخرى، أعلن مرصد «صحافيون ضد التعذيب» أن الجولة الأولى من المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب في مصر «شهدت 60 انتهاكاً بحق الصحافيين». وقال المرصد في بيان إن «المنع من التغطية أو مسح المادة التصويرية القائمة تصدّر قائمة الانتهاكات، إذ تم رصد 41 حالة، كانت غالبيتها في شكل انتهاك جماعي بحق مجموعة من مراسلي ومصوري جهات صحافية وإخبارية مختلفة في الواقعة ذاتها، كما تمّ تسجيل 8 حالات استيقاف أو احتجاز للتحقيق، وتسجيل 5 حالات تعدٍ بالقول أو بالتهديد، و4 حالات تحفظ على معدات صحافية، وحالة واحدة لواقعة قبض وتوجيه اتهام إلى صحافي، وحالة واحدة لإخلاء سبيل صحافي بكفالة مالية».