مثلت الهزيمة التي مُني بها حزب «النور» السلفي في المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان المصري، مفاجأة أربكت قادة الحزب إلى الحد الذي دفعهم إلى البحث في الانسحاب من الانتخابات. وحزب «النور» هو الذراع السياسية لجماعة «الدعوة السلفية»، وهو الفصيل الإسلامي الوحيد الذي يخوض الانتخابات المقبلة، بعدما قاطعتها قوى تيار الإسلام السياسي احتجاجاً على عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) 2013. ونافس الحزب بقائمتين فقط في القاهرة وغرب الدلتا، وله أكثر من 200 مرشح ينافسون على نحو نصف المقاعد الفردية، أي أن الحزب اختار المنافسة ابتداء على نصف مقاعد البرلمان فقط، وهو ما برره بالرغبة في «الشراكة مع بقية القوى السياسية في البرلمان». وفي المرحلة الأولى التي أعلنت نتائجها، لم يتمكن الحزب من ضمان أي مقعد، إذ خسر قائمة غرب الدلتا في معقله التقليدي في الإسكندرية والبحيرة، وخرج خالي الوفاض في المنافسة على المقاعد الفردية، فلم يحصل على أي مقعد، لكن 25 من مرشحيه يخوضون جولة الإعادة. ويواجه الحزب حملة شرسة للمطالبة بحله من قوى ليبرالية حزباً دينياً، وهو ما ينفيه الحزب، لكن هزيمته الساحقة في الانتخابات ظهر أنها وضعت المستقبل السياسي للتيار السلفي على المحك. وعزا مراقبون هزيمة الحزب إلى تلبية قواعده دعوة «الإخوان» إلى مقاطعة الانتخابات. وسعى نائب رئيس الحزب أشرف ثابت إلى تحميل الدولة مسؤولية الهزيمة، لكنه في الوقت نفسه اعتبر ما حققه الحزب «جيداً». وقال ل «الحياة» إن «النتائج التي حصل عليها الحزب لها أسباب عدة، منها حال العزوف عن الاقتراع من الشعب بصفة عامة». لكن التيار الإسلامي تحديداً معروف بقدرته على حشد أنصاره بمنأى من التيار السائد لدى الرأي العام، غير أن ثابت يرى أن «النور حزب شعبي في الأساس، لديه قواعد وأعضاء، وأيضا هناك أنصار من القواعد الشعبية غير المسيسة، ومن ثم فإن تلك المقاطعة تؤثر على الحزب». وأشار ثابت إلى «حملة شرسة ممنهجة شنتها الصحف ووسائل الإعلام الخاصة والحكومية ضد حزب النور. كان الكل يحذر من انتخاب الحزب، إضافة إلى استخدام منافسين للمال السياسي بقوة أمام أعين الدولة من دون رادع... كان هناك من يدفع المال في حماية الشرطة التي تربصت بأنصار الحزب وكل فرد ملتحٍ قرب اللجان. الشرطة كانت تُلقي القبض على الملتحين قبل الوصول إلى اللجان، ما أثار مخاوف أنصارنا، وفضلوا المقاطعة». وأضاف: «رغم عدم حياد أجهزة الدولة وتربص وزارة الداخلية وتخويف المنتمين إلى الحزب من الاقتراب من اللجان، وغض الطرف عن تجاوزات المنافسين، حصل الحزب على 30 في المئة من أصوات القائمة في غرب الدلتا، ورغم أنه خسرها إلا أن تلك النتيجة جيدة». لكن الخبير السياسي وحيد عبدالمجيد يرى أن الانقسامات التي أصابت «الدعوة السلفية» أثرت على نتائج الحزب في شكل لافت. وقال عبدالمجيد ل «الحياة» إن «الحزب هو امتداد للدعوة السلفية التي تعرضت في العامين الأخيرين إلى انقسامات حادة، يمكن اختزالها في ثلاثة أقسام: قسم ناصر الإخوان من البداية، وقسم هو الأكبر اعتزل العمل السياسي بما في ذلك كبار شيوخ الدعوة ومؤسسيها في محافظات بأكملها، بعدما اعتبروا أن ما حدث في 30 يونيو فتنة وعادوا إلى مفهوم درء الفتنة، وبقي الجزء الأصغر تحت سيطرة الشيخ ياسر برهامي، وهو القسم الذي يؤيد حزب النور». وأضاف أن « كيان الدعوة السلفية تشظى، والجزء المؤيد للنور لم يعد يتجاوز 25 في المئة. كل شيخ له أتباعه ويذهبون معه أينما ذهب، ومعظم الشيوخ اعتزلوا السياسة فتبعهم أنصارهم». ورأى أن «مستقبل حزب النور كمستقبل الدولة عموماً في يد الله، ويواجه المجهول». واتفق القيادي السابق في «الجماعة الإسلامية» ناجح إبراهيم مع عبدالمجيد على أن الانقسامات التي أصابت «الدعوة السلفية» أثرت على حزب «النور». لكنه أعرب عن اعتقاده بأن تلك الانتخابات «تُظهر أن لا مستقبل للسلفيين أو الإسلاميين عموماً في العمل السياسي». وقال ل «الحياة» إن «هزيمة حزب النور على هذا النحو لم تكن متوقعة، ومن أسبابها الحملة الإعلامية الشعواء ضد الحزب من الإعلام الخاص والحكومي ومن الليبراليين، وأيضاً الإسلاميين المؤيدين للإخوان الذين سموه حزب الزور لتأييده عزل مرسي، فكثير من التيارات السلفية تكره الحزب... للمرة الأولى يواجه حزب حملة من الأضداد، وظهر أن الدولة والحكومة كانتا راضيتين عن تلك الحملة». وأضاف أن «شيوخ السلفية المستقلين لم يدعموا حزب النور، بل على العكس غالبيتهم كانت ضده، والانشقاقات التي حدثت في الدعوة السلفية وخلافات الحزب مع التيار السلفي أثرت عليه لدرجة كبيرة، إضافة إلى أن كثيرين من السلفيين لا يقبلون أصلاً بفكرة الانتخابات. قد يدعمون الحزب بحضور مؤتمر جماهيري لكن لا ينتخبونه، فالحزب ليس تنظمياً مثل الإخوان، وكثير من السلفيين لا يعتقد بالديموقراطية أصلاً، إضافة إلى غياب العنصر النسائي وقدرته التنظيمية الكبيرة جداً في الحشد عن التيار السلفي، إضافة إلى الدور الكبير الذي لعبه المال السياسي، خصوصاً في الإسكندرية». وقال إن «الفارق بين انتخابات العام 2012 والانتخابات الحالية أن السلفية كلها منحت النور أصواتها في 2012، فحقق فوزاً كبيراً، أما الآن فانقسم التيار السلفي، وأصبح الغالب في مدارسه العزوف عن ممارسة السياسة أصلاً والتفرغ للدعوة». ورأى إبراهيم أن «وجود السلفيين في العملية السياسية إلى زوال، لا مستقبل سياسياً للسلفيين في مصر، لا في الانتخابات البرلمانية ولا المحليات ولا الرئاسية، لاسيما أن الدولة تريد ذلك». وقال إن «الدولة أرادت السلفيين في وقت ضعفها، فسمحت بوجودهم، حتى إذا اشتد عودها لا تحتاج إليهم، ولا حتى هم يؤيدونها. حزب النور إذا استمر وجوده فسيتحول كماً مهملاً لا تأثير له. لا مستقبل للسلفيين ولا الإسلاميين، سواء معتدلين أو متشددين في العمل السياسي، سواء مؤيدين أو معارضين للدولة».