توقفت عقارب الساعة في قرية «ذي عين» الواقعة على سفوح جبال السروات في منطقة الباحة، منذ عشرات السنين، ولا تزال القرية الواعدة قرب محافظة «المخواة» بكراً، لم تلوثها حياة التمدن، ما شجع الهيئة العليا للسياحة على تحويلها إلى منتجع يستقطب الزوار والسياح كافة. وتمكن الأهالي فيها من المحافظة على الطراز المعتمد في عمرانها حتى الآن، على رغم زحف البناء الحديث، وإزالته لكل ما يمت للماضي بصلة، فيما ظلت القرية محافظة على عذريتها، ما يغري كل زوارها على الوقوع في غرامها، لا سيما أن فتنتها تعتمد على بساطتها، فهي جبل من المرمر الأبيض، زين سفحه عدد من المباني شيدت من الحجر، بتناسق رائع، يربطها بذلك المرتفع ويجعلها جزءاً منه، وتفوح في أروقة القرية رائحة التاريخ، بنقوش انتشرت على حوائطها، مشيرة إلى حضارة قامت في الموقع، بيد أن كبار السن، لا يتذكرون تحديداً متى أنشئت هذه القرية؟، ولكنهم وجدوا أنفسهم أسرى لجمالها منذ أن عرفوا أنفسهم. والبعض منهم يذكر بأن هناك ثلاثة مبانٍ فقط بنيت في ذي عين خلال فترة حياتهم في القرية، وبقية العمران وجد منذ القدم. روى أحد السكان أن الأهالي هجروا مباني القرية القديمة منذ ما يقارب 20 سنة، وانتقلوا للعيش في البنايات الحديثة في الجهة المقابلة لها، ولكن ما يلفت النظر هو استمرارهم في العمل في مزارعهم الواقعة بالقرب من القرية القديمة والاعتماد على المنتجات الزراعية المحلية في تدبير شؤونهم اليومية. ويستطيع المرء أن يرى من بعيد 49 منزلاً تقف بشموخ، متراصة على سفح المرتفع، في تنسيق معماري مميز يضفي مع جبل المرمر لوحة فنية ومنظراً بانورامياً رائعاً. وتختلف ارتفاعات هذه المباني من مبنى إلى آخر. وشيدت بيوت قرية ذي عين بالحجر على نسق نظام الحوائط الحاملة المعروفة محلياً ب«المداميك»، ويتراوح عرض الحائط ما بين 70 إلى 90 سنتيمتراً، وبنيت بطريقة احترافية عالية ودقة متناهية تعكس الحضارة التي كان عليها الأجداد في القرية، وسقفت المباني بخشب السدر، وسندت بعض الأسقف للغرف الكبيرة بأعمدة تعرف محلياً ب«زافر»، ويعلو خشب السدر رقائق من الحجر تعرف ب«صلاة»، وغطيت الأحجار بالطين. تتوزع حجرات المبنى على الاستعمالات اليومية لأهل القرية، فالأدوار الأولى تخصص عادة للاستقبال والجلوس، والأدوار العليا للنوم وتزيد خصوصية المسكن كلما ارتفع للأعلى، وعلى رغم توغل القرية في عمق التاريخ، إلا أن هناك عدداً من المباني لا تزال متماسكة ومحتفظة بشكلها المعماري المميز. وما يشد زوار القرية هو تدفق الماء في أروقتها منذ القدم، وعلى مدار العام من دون توقف. ويمتد مجرى العين على مسافة ال 50 متراً قبل الوصول إلى بداية المزارع، ما دعا الأهالي على استغلاله في رى مدرجاتهم الزراعية، إذ شيدوا قناة ذات منسوب معتدل يحافظ على انسياب الماء بشكل متوازن. وقبل الوصول للمزارع هناك شلال صغير بارتفاع المتر والنصف يضفي على المكان رونقاً خاصاً وطبيعة ساحرة. وتتميز المدرجات الزراعية بإنتاج عدد من المنتجات المحلية، أبرزها الموز المحلي اللذيذ، ونباتات الكادي العطرية ذات الرائحة زكية، إضافة إلى الليمون والنخيل.