«... وماذا عن مشاريعك التلفزيونية؟»، حين سمع النجم هذا السؤال يطرح عليه في جلسة أصدقاء قبل أيام خلال وجوده في عاصمة عربية، اهتز كمن لدغته أفعى وصاح: «لا... أنا ليست لدي مشاريع تلفزيونية. هناك مشاريع سينمائية بالتأكيد... أما التلفزيون فلا... وألف لا!». المحيطون بالنجم في تلك الجلسة شعروا فوراً بشيء من الإحراج أمام هذه الثورة المباغتة التي أبداها النجم الكبير لمجرد أن طرح عليه سؤال، بات كثر في هذا العالم يرونه الآن طبيعياً، ومن الطبيعي طرحه على كل فنان. غير أن الأغرب من هذا، هو أن ذلك الفنان نفسه، كان قبل دقائق فقط، يثني على الشاشات الصغيرة في طول العالم العربي وعرضه، لا سيما حين كان يأتيه معجبون يسلمون عليه ويطلبون أن يتصوروا معه، ثم يقولون له كم إنه يعيش بينهم، في بيوتهم، وفي حياتهم اليومية بفضل بث أفلامه، القديمة والأقل قدماً من على محطات التلفزة، وفي شكل يومي. وبعض هؤلاء المعجبين المحبين صارح النجم المحبوب، بأنه - هذا البعض - في الحقيقة، لم يكن سبق له أن شاهد في الصالات أياً من أفلام النجم، القديمة بخاصة، أي تلك التي اكتسبت مع الزمن صفة الأفلام الأسطورية، سواء حققت في بلده، قديماً، أو في الخارج. في اختصار، كانوا كما لو أنهم يقولون له: لولا التلفزيون، لما عرفنا عنك سوى اسمك وأخبارك وشهرتك، أما بفضل الشاشة الصغيرة، فلقد تعرفنا أيضاً الى فنك واكتشفنا أنه فن، في الأداء، كبير... بل إنه في بعض الأحيان أتى يفوق ما كوّنته لدينا شهرتك ويعزز منها... بل يبررها. غير أن هذا كله، كما يبدو، لم يشفع للشاشة الصغيرة، في نظر صاحبنا النجم الكبير. فهل نلومه على ذلك؟ بالتأكيد لا... ذلك ان موقفه هو ذاته موقف كثيرين من زملائه الذين لا يزالون ينظرون الى التلفزيون على أنه مجرد جهاز يذيع أعمالهم السينمائية ويعرّف الناس بأخبارهم كشر لا بد منه... أما الاستفادة من إمكاناته التقنية والانتشارية، بل حتى الجمالية والفكرية، فأمر بعيد عن التصوّر بالنسبة إليهم. فعلى من يقع اللوم في هذا؟ في اعتقادنا أن جواباً شافياً على هذا السؤال، الذي لا يفتأ يطرح منذ زمن طويل، يحتاج الى دراسات ومؤتمرات عدة، تقدم فيها بحوث فنية وتقنية وسوسيولوجية، بل أيضاً دراسات ذات علاقة بسيكولوجية الجماهير، وانزياح الطبقات الوسطى (بانية الحضارات والأمم والأوطان، وفنونها وإبداعاتها) من اللقاء الجماعي في الصالات وحول الفن، الى الانفراد بالتعامل مع هذا الأخير في البيوت. والحقيقة أننا لا نقول هذا لمجرد أن نقنع نجمنا بأن يكون جوابه على السؤال الذي طرح عليه أقل اشمئزازاً، بل لنحاول أن نقنع الباحثين وأهل المؤتمرات والمهرجانات وربما أهل الجامعات أيضاً، بأن الوقت حان لأخذ المسألة التلفزيونية بمزيد من الجدية والاهتمام العلمي... فهي، بعد كل شيء، مسألة المستقبل بإلحاح، وبأكثر كثيراً مما كانت حاضرة في الماضي، أو تحضر الآن.