لا يمكن اعتبار الفيلم الوثائقي «شعور فلسطين» للمخرجة الدنماركية ريكي روبة فيلماً مباشراً عن زيارات شخصية قامت بها روبة على فترات متقطعة إلى الضفة الغربية بعد خريف عام 2012 على رغم أن الصور المتتالية التي نشاهدها على مدى نصف ساعة تؤكد ذلك. يبدو الفيلم انحناءً نفسانياً على ضمير فرد بصيغة الجمع. تأخذ الزيارات من ريكي روبة منحنى في الانحياز إلى الذات الإنسانية وتأكيدها. تلتقي المخرجة بالشابة الفلسطينية رنا عوض التي ستكشف لها عن حجم التغيرات التي تحصل في الأراضي المحتلة حتى في الدقيقة الواحدة. وتتكرر زيارات ريكي الى فلسطين على رغم بشاعة الاحتلال الذي تصادفه ان عبر الكاميرا الخفيفة التي تحملها بيدها أو عبر آليات الرصد التي صارت تتمتع بها السوشيل ميديا الحديثة. مايبدو مهماً في الفيلم هو ذلك الشعور الذي تنقله ريكي روبة لوالدها ووالدتها في الدنمارك. يبدو أن تأسيس نواة داخلية جامعة في منطقة نائية من العالم تتحول الى مدماك أساسي في بنية الفيلم الوثائقي القصير وقد نجحت المخرجة في نقل هذا الشعور على رغم ضيق المدة الزمنية وانحسار المكان ذاته على فرضيات متغولة يفرضها وجود الاحتلال وصعوبة الحياة التي يعيشها الفلسطينيون في ظله. ذكاء الفيلم لا يكمن فقط في هذا التقطيع الحار بين الزيارات. بل في نجاح المخرجة ريكي روبة على رغم حداثة تجربتها كما تبين الفيلموغرافيا الخاصة بها، في خلق هذا الانحياز بين ما تشعر به هي كإنسانة، ومواطنة من هذا العالم، وهذا الدفق الشعوري الذي تولده في أحاديثها المتكررة مع أهلها. ذهبت المخرجة الدنماركية وعاينت فظاعات الاحتلال. رقصت وغنت مع الفلسطينيين. الكاميرا لم تفارق العين التي قررت في لحظات التقطيع النهائية أن تعيد توصيف هذا الشعور الذي يتولد تلقائياً أمامها، واكتشفت أن أهم ما يمكن أن يؤسس له الإنسان على صعيد تبادل العلاقات مع الآخرين هو تلك النواة الجوانية لعوالم تبدو أنها تتصارع من بعيد، لكن التعاطف والحب يستطيعان أن يتكيفا مع كل شاردة وواردة على مختلف الصعد. ما فعلته ريكي روبة ليس اعادة تركيب المشاهد التي صورتها على فترات متابينة في توقيتها، بل في نقل هذه النواة الى شريحة صغيرة في عالم ثان رأى وانبهر بشعور حار يأتي من فلسطين دائمًا. نال الفيلم شهادة تقدير من لجنة تحكيم الفيلم الوثائقي في الدورة الأخيرة من مهرجان مالمو للسينما العربية «على ذكائه في التقاط كل ذلك الدفق البصري حين يتحول الى معاينة شعورية جارحة». النواة التي يحتاج اليها المرء حتى يصبح بإمكانه أن يعيد ترتيب حياته حتى في ظل أحد أبشع أنواع الاحتلال في العالم.