تجربة مثيرة عاشها عازف الكمان الأول في دار الأوبرا في القاهرة كريستيان ستيجيسكال، عندما دفعه فضوله وتطلعه نحو الآخرين إلى زيارة حي الزبالين في منطقة المقطم في القاهرة، مقرراً أن يعيش معهم سنوات عدة، عابراً كثيراً من الحدود الثقافية والأمكنة النخبوية والفضاءات المخملية المنغلقة والمنفتحة الداخلية والخارجية. عالم من المتناقضات انخرط فيه العازف النروجي الذي درس الموسيقى في أكاديميات عريقة في كوبنهاغن وهانوفر وبرن، حيث تتسع الهوة ما بين عالم الأوبرا النخبوي وقاطنيه من المثقفين المترفين، وعالم «الزبالين» المهمش العشوائي الغارق في الفقر والمرض والذي بالكاد يجد قاطنوه ما يسدون به رمقهم. ففي المساء، أجواء الأوبرا الارستقراطية والأوركسترا السيمفوني والموسيقى الكلاسيكية بتوزيعاتها الهارمونية، وفي الصباح الضوضاء وأصوات الباعة الجائلين وموسيقى المهرجانات الشعبية وما تحمله من ابتكارات لحنية هابطة وتجاوزات موسيقية مسفة. يأخذ ستيجيسكال جمهوره في تجربه أداء فريدة للوسائط المتعددة بين عزف الكمان، والتصوير الفوتوغرافي، والحكي والفيديو فينييت (video vignettes) وبعض الأغاني العربية والقبطية، حيث يخرج تجربته بمجموعة من الصور الحية التفاعلية يعرضها مصحوبة بموسيقى شرقية لأغنية «الحلوة دي» لسيد درويش ومقطوعات لعبده داغر. عبر هذه الأداءات الفنية يأخذ عازف الكمان الأول في دار الأوبرا في القاهرة، جمهوره في مسرح المعهد الفرنسي في الإسكندرية، في رحلته التي وثقها في كتابهMy neighborhood – The Zabaleen Project))، والتي بدأت في العام 2011 برحلة 7000 كلم مشياً على القدمين من مسقط رأسه فيينا عاصمة النمسا إلى مدينة الزبالين في القاهرة، متخذاً من سبع عائلات يعيش أفرادها على جمع القمامة، وما يحيط بهم من موروثات تتحرك في محيط ثقافي هش وفي وسط اجتماعي غارق في أزماته، مستعرضاً مصائر مختلفة من الناس حيث تتفرع الأحداث الدرامية، وتترابط الإيقاعات لتظهر أفراحهم، نضالاتهم، مآسيهم، والانتصارات الصغيرة في الحياة».يقول العازف النروجي ل «الحياة»: «يروي العرض جزءاً من حياتي المزدوجة في مرحلة ما بين عملي كعازف كمان في دار الأوبرا في القاهرة ومنزلي بين جامعي القمامة، ورغم التناقض البالغ والاختلافات الأيديولوجية والثقافية والحضارية تقبلوني واعتبروني جزءاً منهم». ويضيف: «تناولت في العرض بعض نضالات عدد من العائلات التي تعيش عند سفح جبل المقطم، إلى جانب منشية ناصر، في «قرية» يبلغ عدد سكانها حوالى 50 ألف نسمة ومشاركتهم في ثورة 25 يناير التي فجرت تراكمات هموم وآلام وآمال وجعلت من كل فرد سياسياً محنكاً يتحدث ويحلل بلغة قد يعجز عنها كثير من المثقفين والنخب». يعشق ستيجيسكال الموسيقى العربية خصوصاً موسيقى سيد درويش وأم كلثوم وفيروز،لافتاً إلى أنه قدم العرض في عدد من المراكز الثقافية في مصر، وسيقوم بجولة على عدد من الدول الأوروبية يقدمه فيها. وكان سافر عام 2013 إلى قطاع غزة وأقام فيه ستة أشهر، ليقدم عرض «Ferdinand the Bull» في 185 مدرسة للأطفال الفلسطينيين برعاية الأممالمتحدة.