فرضت الحكومة البريطانية، في إطار مساعيها لمكافحة التطرّف، تعليم التلامذة في المرحلة المتوسطة عن دينين مختلفين يمتحنون فيهما للنجاح في شهادة «جي سي أس إي» أو «الشهادة العامة للمرحلة الثانوية» المعادلة في النظام الفرنسي ل «البروفيه» (الشهادة المتوسطة). كان الهدف، كما هو واضح، لكن غير معلن صراحة، إن يتعرّف التلامذة المسلمون على تعاليم وتقاليد دينية لمواطنين بريطانيين غيرهم ينتمون إلى ثقافات وأديان مختلفة. وحددت شهادة المرحلة الثانوية لأنها تتناول التلامذة الذين يمرون بمرحلة الانتقال من الطفولة إلى النضوج، لإرغامهم في هذه المرحلة الحساسة من عمرهم على تكوين فكر «منفتح» على أتباع الديانات الأخرى. وبما أن إجراء من هذا النوع لا يمكن أن يستهدف أتباع دين واحد، فقد عمم بدءاً من العام الماضي على المدارس في بريطانيا التي باتت مجبرة على تعليم تلامذتها عن دينين مختلفين وامتحانهم فيهما قبل نيل شهادة المرحلة الثانوية. ويتم تعليم التلامذة في بريطانيا عن الأديان والثقافات المختلفة في العالم، لكن التعديل الحكومي الجديد طاول تحديداً المرحلة الثانوية التي باتت تتألف من اختبار في مادتين دينيتين وليس ديناً واحداً. وهكذا، لم يكن غريباً أن تختار المدارس الإسلامية تعليم الدين المسيحي، إلى جانب الإسلام، كي يتعلّم تلامذتها عن دين الغالبية العظمى من أهل البلد الذي يعيشون فيه وباتوا جزءاً لا يتجزّأ من تركيبته الدينية والإثنية. وانطلاقاً من ذلك، كانت المدارس الإسلامية تتوقع بدورها، على الأرجح، أن تلجأ المدارس المسيحية إلى اختيار الإسلام كمادة ثانية إجبارية تعلّم للتلامذة ويختبرون فيها إلى جانب الدين المسيحي. لذا، شكّل قرار المدارس الكاثوليكية تحديداً اختيار اليهودية كمادة ثانية إلزامية للتلامذة إلى جانب المسيحية صدمة لكثيرين من ممثلي المجتمع المسلم في بريطانيا، الذين كانوا يأملون بأن يختار الإسلام وليس اليهودية كمادة ثانية للمرحلة الثانوية. واعتبر السير إقبال ساكراني المدير العام السابق للمجلس الإسلامي في بريطانيا (مظلة تمثّل مئات المنظمات الإسلامية) أن قرار المدارس الكاثوليكية «محبط جداً» و «ليس جيداً» ولا يصب في خانة رسالة رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس الداعية إلى انفتاح أكبر بين الأديان، وحضّ رئيس الكرادلة الكاثوليك في بريطانيا فينسنت نيكولز على إعادة النظر في قرار فرض اليهودية فقط كمادة اختبار إلزامية لتلامذة المرحلة الثانوية، بإضافة إلى الدين المسيحي. في المقابل، دافع بول باربر مدير «خدمة التعليم الكاثوليكي» عن قرار تعليم اليهودية، وليس أي دين آخر، في المدارس الكاثوليكية، قائلاً إنه يساعد التلامذة المسيحيين، وهم بطبيعية الحال الغالبية العظمى من تلامذة هذه المدارس، على تكوين «أرضية صلبة» عن المسيحية. لكنه أضاف، وفق ما نقلت عنه «الديلي ميل»، أن تلامذة المدارس الكاثوليكية سيظلون يتعلّمون كالعادة عن بقية الأديان في صفوف مادة الدين، لكن امتحان الشهادة الثانوية سيتناول فقط المسيحية واليهودية. ويشكّل قرار المدارس الكاثوليكية (عددها 2150 مدرسة) مشكلة لبعض تلامذتها، وتحديداً المسلمين. إذ أن هناك مدارس كاثوليكية تقع في مناطق باتت نسبة كبيرة من سكانها من أتباع الدين الإسلامي، مثلما هو حال مدرسة «روزاي» الكاثوليكية في مدينة برمنغهام التي يشكّل المسلمون أكثر من 90 في المئة من تلامذتها. أما الحاخام جوناثات رومين رئيس كنيس ميدنهاد في مقاطعة باركشاير الإنكليزية فقد حض، من جهته، المسؤولين الدينيين عن المدارس على ترك الخيار لكل مدرسة لما تراه الأنسب لتلامذتها. وبحسب إحصاءات حكومية تعود إلى العام 2011، يبلغ تعداد المدارس الدينية نحو 7 آلاف مدرسة من أصل 20 ألفاً، تتلقى تمويلاً من الدولة في إنكلترا لوحدها (لا يشمل الإحصاء ويلز وأسكتلندا وإرلندا الشمالية). وتتبع الغالبية العظمى من هذه المدارس الدينية كنيسة إنكلترا (68 في المئة)، ثم الكنيسة الكاثوليكية (30 في المئة). أما المدارس اليهودية فيبلغ عددها 42 مدرسة، في مقابل 12 مدرسة إسلامية، و3 مدارس سيخية ومدرسة هندوسية واحدة. وتتلقى كلها تمويلاً من الدولة وبالتالي فإنها ملزمة تعليم تلامذتها دينين مختلفين.