قبل فترة الطفرة الاقتصادية التي شهدتها السعودية منتصف السبعينات من القرن العشرين، كانت المدن السعودية تعج بالأيدي العاملة المحلية في كل المهن الصغيرة. كان السعودي يعمل سبّاكاً، وكهربائياً، وحمّالاً، وحارساً، وسائقاً، وعامل بناء، وطباخاً، ونجاراً، وجزاراً، ولم يكن المواطن السعودي يرفض العمل في أي مهنة مهما كانت شاقة ومتواضعة، والمجتمع كان يحترم العمل اليدوي، ولا يعير هذه القضية أدنى اهتمام. هذا المشهد الطبيعي الذي تعيشه كل مجتمعات الدنيا، اختفى خلال سنوات قليلة، بعد زيادة أسعار النفط، واشتعال التنمية العمرانية الجبارة التي شهدتها البلاد في تلك المرحلة، وواكبتها زيادة في دخل موظفي الحكومة، من خلال الساعات الإضافية التي كانت تصرف بلا حساب، فضلاً عن الحوافز والبدلات والانتدابات، وغيرها، حتى أصبح الموظف يحصل على ضعف راتبه أو أكثر. وتزامن تحسن دخول الموظفين غير المبررة، مع فتح الباب أمام العمال الوافدين من شتى أصقاع الأرض، ومن دون أنظمة تحمي الأيدي العاملة الوطنية. فجاز القول إن التنمية الجبارة التي شهدتها السعودية، قضت، وبطريقة لا تحسد عليها، على العمالة الوطنية في المهن الصغيرة، على رغم ان المفترض ان تصبح هذه التنمية مدرسة للتدريب، وتكريس مفاهيم العمل. هذه النتيجة لم تكن مقصودة، وهي نشأت بسبب حرص الحكومة في تلك المرحلة على تشجيع شركات القطاع الخاص، وفتح المجال لها للمشاركة في مشاريع البنية الأساسية. لكن هذه الشركات استغلت الظروف، وأصبحت تتسابق في استقدام الأيدي العاملة بلا حساب، وبأجور متواضعة تتراوح بين 600 و1000 ريال، فشعر المواطن بأن المنافسة غير عادلة، ناهيك عن أن تكاليف المعيشة ارتفعت في تلك الفترة، وبات قبوله بهذه الأجور مستحيلاً. وحين هدأت حركة البناء وجد المواطن العامل ان الأسباب التي تمنعه من ممارسة المهن الصغيرة لم تعد اقتصادية فحسب، بل اجتماعية أيضاً، بحكم انها أصبحت لا تليق إلا بالأجانب. اليوم تواجه البلد أزمة بطالة، وعلى رغم وجود فرص للعمل في المهن الصغيرة التي كان يعمل بها الآباء، إلا أن الوضع لم يتغير. والحل لن يكون من خلال برامج التوعية والخطب والمقالات، بل بسن قوانين تفرض ضرائب على العمال الأجانب ومن دون استثناء، ووضع حد أدنى للأجور. من دون هذا، فإن البطالة ستبقى تهدد التنمية، على رغم انها قضية أوجدتها أخطاء سابقة، وحان الوقت لإصلاحها بحلول اقتصادية.