حذر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس بعد 3 أيام على اعتداءات باريس التي خلّفت 129 قتيلاً على الأقل وأكثر من 350 جريحاً، من أن هجمات جديدة قد تستهدف بلاده ودولاً أوروبية أخرى «في الأيام أو الأسابيع المقبلة، ما يعني أننا سنعيش لوقت طويل في ظل هذا التهديد الذي يجب أن نستعد له»، مشيراً إلى إحباط خمس هجمات منذ الصيف. وأعلن تنفيذ أكثر من 150 عملية دهم لمواقع إسلاميين على الأراضي الفرنسية منذ ليل الجمعة، وشهدت إحداها في ليون (وسط شرق) أمس ضبطَ أسلحة بينها قاذفة صواريخ وسترات واقية من الرصاص ومسدسات وبندقية كلاشنيكوف واعتقال 23 شخصاً ليلاً وفرض الإقامة الجبرية على 104 آخرين منذ 48 ساعة. وأكد فالس أن اعتداءات باريس «نظِّمت ودُبرت وخطط لها من سورية»، في تبرير لإلقاء مقاتلات فرنسية ليل الأحد 30 قنبلة على ما يعتقد بأنه مخزن للأسلحة ومعسكرا تدريب تابعان لتنظيم «داعش» في مدينة الرقة السورية. وتحدث مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان عن سماع أكثر من 30 تفجيراً في محيط الرقة، في حين أعلنت جماعة «الرقة تذبح بصمت» المناهضة ل «داعش»، أن الغارات الجوية الفرنسية أصابت «الفرقة 17» و «معسكر الطلائع» في الرقة، لكن لم ترد تقارير عن سقوط خسائر بشرية. وتوعد فالس ب «ردود جديدة»، مشدداً على أن «الحرب ضد داعش يجب أن تخاض أولاً في سورية والعراق، ثم ليبيا حيث يتمركز التنظيم أيضاً». ووصف هذا العمل الحربي بأنه «حرب جديدة ترغمنا على لزوم موقف ونظرة وتعبئة، وتوخّي أقصى التيقظ وضبط النفس والهدوء». الانتحاريون وسورية وكان المحققون أكدوا أن عمر إسماعيل مصطفاوي، أحد مهاجمي مسرح «باتاكلان» حيث قتِل 89 شخصاً على الأقل، والمولود في كوركورون بمقاطعة إيسون جنوبباريس والذي كان يصلي في مسجد بضاحية شارتر، أقام في سورية بين 2013 و2014، وكان معروفاً لدى المديرية العامة للأمن الداخلي التي أدرجته عام 2010 في سجل «أمن الدولة». كذلك، قالت أسرة الفرنسي سامي عميمور، أحد انتحاريي اعتداءات باريس، إنه ذهب إلى سورية عام 2013، علماً أن النيابة العامة في باريس وضعت ثلاثة أشخاص من أقاربه قيد التوقيف الاحترازي. وبعد تحديد هوية انتحاريَّيْن آخرين بأنهما بلال حدفي (30 سنة) الذي فجر نفسه مع انتحاريين آخرين في محيط استاد دو فرانس، وإبراهيم عبدالسلام (31 سنة) الذي فجر نفسه عند جادة فولتير حيث لم يسقط ضحايا، كشف المحققون عن أن الحدفي زار سورية. وفيما أقام حدفي وعبدالسلام في بلجيكا، اعتقلت سلطات هذا البلد 7 أشخاص في بلدة مولنبيك بمنطقة بروكسيل التي تضم مهاجرين مسلمين، بينهم محمد، شقيق عبدالسلام، قبل أن تطلقه مع أربعة آخرين من دون توجيه تهم إليهم، علماً أنها أبقت اثنين آخرين قيد التوقيف الاحترازي. وتتركز التحقيقات أيضاً على الشقيق الثاني لعبدالسلام، صلاح، الذي لا يُعرف ما إذا كان احد الانتحاريين أو أنه لا يزال فاراً. وأصدر القضاء البلجيكي مذكرة توقيف دولية في حق صلاح عبدالسلام الذي وصفه بأنه «شخص خطير»، علماً أن التحقيق الفرنسي كشف عن أنه استأجر سيارة «بولو» سوداء مسجلة في بلجيكا وعثر عليها مركونة أمام مسرح «باتاكلان»، حيث أوقع الهجوم 89 قتيلاً على الأقل. وكان إبراهيم عبدالسلام استأجر أيضاً سيارة «سيات» سوداء مسجلة في بلجيكا، وعثر عليها في ضاحية مونتروي الباريسية القريبة وفي داخلها ثلاثة بنادق كلاشنيكوف و11 مخزناً فارغاً و5 مخازن ملقمة. إلى ذلك، كشف مصدر قريب من التحقيق الفرنسي أن البلجيكي عبد الحميد أباعود (27 سنة)، وهو من ضاحية مولنبيك في بروكسيل وموجود في سورية حالياً، ويعتقد بأنه أحد أنشط أعضاء «داعش»، هو العقل المدبر لاعتداءات باريس. وفي شباط (فبراير) الماضي، أجرت مجلة «دابق» الإلكترونية التابعة ل «داعش»، مقابلة مع إسلامي بهذا الاسم، تفاخر فيها بأنه سافر عبر أوروبا لتنظيم هجمات وشراء أسلحة من دون أن ترصده قوات الأمن. كما ورد اسم أباعود في وسائل إعلام العام الماضي كشقيق أكبر لطفل عمره 13 سنة غادر بلجيكا ليقاتل في سورية. تجاهل معلومات تركية وفي تركيا، كشف مسؤول حكومي رفض ذكر اسمه، عن أن سلطات بلاده حذرت باريس مرتين خلال سنة، في كانون الأول (ديسمبر) 2014 وحزيران (يونيو) 2015، من عمر إسماعيل مصطفاوي، أحد مهاجمي مسرح «باتاكلان» الذين فجروا أنفسهم مساء الجمعة في اعتداءات باريس، من دون أن تتلقى رداً. وأوضح أن تركيا أجرت تحقيقاً حول مصطفاوي بعدما اكتشفت صلته بمجموعة من أربعة جهاديين مشبوهين طلبت فرنسا الحصول على معلومات عنهم في تشرين الأول (أكتوبر) 2014. لكن النيابة العامة في باريس استبعدته لعدم مشاركته في قضية إرهابية، على رغم أنه جرى ضم اسمه إلى ملفات المتطرفين منذ عام 2010. وتابع المسؤول أن مصطفاوي دخل أراضي تركيا عام 2013 من جهة محافظة أدرنة (شمال غرب) على الحدود البلغارية واليونانية، لكننا لا نملك سجلاً لمغادرته البلاد». وكانت تركيا أعلنت إحباط اعتداء جهادي «كبير» في إسطنبول في اليوم ذاته لاعتداءات باريس، من خلال اعتقال خمسة أشخاص بينهم بريطاني يدعى اين ليسلي ديفيس. وأوضحت أن ديفيس هو شريك داخل «داعش» ل «الجهادي جون» الذي ظهر في أشرطة فيديو صورت عمليات إعدام للتنظيم ويُعتقد بأن الجيش الأميركي قتله في غارة جوية نفذها الخميس الماضي في سورية. وأوضح مسؤول تركي أن «المشبوهين الخمسة دخلوا من سورية إلى تركيا هذا الأسبوع لتنفيذ هجوم»، علماً أن أنقرة تتهم التنظيم المتطرف بسلسلة هجمات نفِّذت أخيراً، وآخرها أمام محطة أنقرة المركزية للنقل في 10 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حين سقط 102 قتيلين. ألمانيا «تتمهل» اللاجئين وفي ألمانيا، صرح وزير العدل الألماني هيكو ماس بأن «العثور على جواز سفر سوري قرب أحد مواقع اعتداءات باريس قد يكون بمثابة تضليل اعتمده داعش لتسييس مسألة اللاجئين في أوروبا وإضفاء تشدد على النقاش حول الهجرة». وأضاف: «يجب توخي الكثير من الحذر حتى تتضح الأمور، إذ لا صلة مؤكدة بين الإرهاب واللاجئين باستثناء واحدة ربما، وهي أن اللاجئين يفرون من سورية بسبب الأشخاص أنفسهم الذين ارتكبوا اعتداءات باريس». وجواز السفر السوري باسم أحمد المحمد (25 سنة)، وفقاً لأثينا، وكان جرى تسجيله في جزيرة ليروس قبالة الساحل التركي في 3 تشرين الأول، لكنه غادر اليونان في تاريخ غير معروف وشوهد للمرة الأخيرة في كرواتيا بعد أيام. وألمانيا التي تتوقع وصول مليون طالب لجوء هذه السنة، خصوصاً من سورية، في طليعة الدول التي يقصدها المهاجرون الذين يسود توتر داخل الاتحاد الأوروبي حول سياسة استقبالهم، إذ يعتبر مؤيدو انتهاج خط أكثر تشدداً أن مخاوفهم مبررة أكثر من أي وقت مضى بعد اعتداءات باريس. ودافع رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الأحد عن السياسة المعتمدة حتى الآن، مؤكداً «عدم إجراء مراجعة كلية للسياسة الأوروبية بشأن اللاجئين». وصرح ماركوس سودر من الحزب الكاثوليكي المحافظ في بافاريا، بأن «اللاجئين ليسوا جميعهم إرهابيين من داعش، لكن من السذاجة القول بعدم وجود أي مقاتلين ضمن اللاجئين». وشدد سودر، الذي يوجه حزبه منذ أسابيع انتقادات لسياسة حليفته المستشارة الألمانية أنغيلا مركل إزاء اللاجئين، على أن اعتداءات «باريس غيرت كل شيء ولم يعد يمكن السماح بعدم فرض رقابة» على الموضوع. أما حركة «بغيدا» الألمانية المعادية للإسلام، فاعتبرت أن تفادي تنفيذ اعتداءات في ألمانيا لن يكون ممكناً «ما لم يوضع حد لتدفق طالبي اللجوء وتأمين الحدود كما يجب». وأشار رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو إلى «الأخطار الأمنية الهائلة المرتبطة بموجة الهجرة»، فيما لم ينتظر وزير الشؤون الأوروبية البولندي المحافظ كونراد زيمانسكي تسلم مهماته ليعلن أن بلاده المعادية لاستقبال لاجئين لن «تستطيع» احترام الاتفاقات الأوروبية حول توزيع اللاجئين. لكن الرئيس البولندي السابق الحائز جائزة نوبل للسلام ليش فاليسا، أبدى «رفضه التام» هذا الموقف، مذكراً بأن البولنديين تلقوا مساعدات كثيرة من الآخرين وعليهم التضامن مع الذين يحتاجون إليهم». في المقابل، كتب النائب الشعبوي الهولندي غيرت فيلدرز الذي يتصدر حزبه استطلاعات الرأي في بلاده على «تويتر»: «أطلب من رئيس الحكومة إغلاق حدودنا فوراً». ورد وزير الخارجية الهولندي بيرت كوندرز بأن «إغلاق الحدود يخلق وهماً بأننا في أمان، لكن ذلك مجرد خرافة لا تفيد أحداً».