عرضت محطة «ميديا سات» أخيراً فيلماً بدا مؤثراً عن حياة الحيوانات في «الأرض المتوحشة». والفيلم يحمل معاني ودلالات كثيرة إن سنحت فرصة تأمله من زوايا عدة فالكاميرا الدؤوبة هنا تراقب عن كثب لبوءة وأشبالها الثمانية، وقد أنهكهم الجوع تماماً، الى درجة أن الأم هنا لا تعود تستطيع أن تطارد فرائسها التي أصبحت في مثل هذه الحالة أكثر سرعة منها. فعدم توفر الغذاء اللازم لها لعدة أيام أصابها بضعف ووهن شديدين ما جعلها تتخلى عن مطاردة حتى الغزلان الصغيرة بعد عشرة أمتار أو أكثر قليلاً. ليست الحياة البرية التي تعيش فيها مختلف الحيوانات الضارية والأليفة إلا نموذجاً في الحفاظ على نوع من التوازن بات يفتقده الانسان في عالمه الطبيعي وأصبح ينتقل له بالعدوى. فهنا قد يفاجأ المشاهد بأن اللبوءة الضارية قد استكانت تماماً، وأخذت تأكل العشب بعد مرور عدة أيام على فقدانها الغذاء الضروري لها ولأشبالها. وهي تأكل النبات لتداوي جراح معدتها التي تتضور جوعاً، وتعمل في الوقت نفسه على طرد أشبالها الثمانية من «مملكتها» لعدم توفر الحليب اللازم لهم. ما يهمنا في الحكاية أنه يمكن للبوءة في اليوم العاشر أن تروض تماماً في حالة فقدانها سلة الغذاء التي كانت تحفل بها الطبيعة يوماً، ومع الاخلال بدرجات التوازن المحكم فيها صار ممكناً لأشد الحيوانات ضراوة أن تقبل بما هو أقل من السقف المطلوب للاستمرار بالحياة ورفضاً لفكرة الانقراض نفسها. تماماً هنا تعود بنا الذاكرة لتسرح في عوالم الأديب السوري زكريا تامر الذي كتب قصة «النمور في اليوم العاشر»، وفيها كيف تروض النمور من قبل سيدها ومالكها في الأقفاص، الى درجة أنها تقبل تقليد أصوات القطط والحمير لقاء أكلها العشب في اليوم العاشر بعد أن نال الجوع منها وأنهكها . القصة بما تحمل من معان رمزية شديدة الدلالة لاتفترق كثيراً عن حكاية اللبوءة وأشبالها الثمانية ، فهي أمام تسيد الطبيعة وقسوتها بعد أن اختلت عناصر التوازن فيها وقلّت فيها سلة الغذاء لأسباب كثيرة ، قد يكون الانسان نفسه وراء معظمها صار في وسعها أيضاً أن تخضع و تقبل بما هو أقل من المطلوب وغير الاعتيادي من دون أن توجد في الأقفاص . اللبوءة في اليوم العاشر تبدأ بفقد أشبالها واحداً تلو الآخر لعدم توافر الغذاء. أما وقد قبلت بأن تلتهم العشب لتداوي معدتها المتأسية بفعل الجوع ، فإن الكاميرا اللجوج سوف تعود إليها بعد ثلاثة أشهر كما يخبرنا البرنامج ولا يعود برفقتها سوى شبل واحد نجح بالبقاء على قيد الحياة بما يشبه المعجزة. على أن المعلِّقة هنا تخبرنا أن حظوظه أيضاً بالنجاة قليلة ، فقد فقد الكثير من وبره وزاد نحوله وضعفه، وهو بات يحتمي بأمه أكثر من أي وقت مضى إلى وقت ربما لا تعود تستطيع أن تقدم له شيئاً. الاخلال بالتوازن في الطبيعة مصدر مهم لترويض الانسان والحيوان على حد سواء، وربما هذا ما تفعله بنا (الأرض المتوحشة) أيضاً؟!