الأحد 14/3/2010: الصفوف الخلفية روى صديق فلسطيني انه التقى إسرائيليين من «السلام الآن» في عز نشاط هذه الحركة، وسمع منهم كلاماً استغربه: نريد من ياسر عرفات ان يخلصنا من المتطرفين الدينيين. كان أحد اسباب مطالبتهم بالسلام انه يساعد في إطفاء نار التعصب الديني ليستطيع المجتمع ممارسة حياة طبيعية. الأمور تغيرت سلباً، وها هي اليمينية تسيبي ليفني تشكو بدورها من التطرف الديني. لم تشارك بل أيدت تظاهرة ضمت ألف إسرائيلي خرقوا حرمة أمس السبت صارخين في الشارع احتجاجاً على الفصل بين الرجال والنساء في حافلات تتجه الى مناطق سكن اليهود المتشددين أو تنطلق منها. قالت ليفني: إن الذي يعيد المرأة الى الصفوف الخلفية في الحافلة يعيدها ايضاً الى الصفوف الخلفية في المجتمع. ورفع المتظاهرون لافتة كتبوا عليها «إسرائيل ليست طهران». انهم يستنكرون التشبيه، والحقيقة ان اسرائيل سبقت ايران في تديين الدولة، والصراع الذي تفرضه في محيطها يضغط باتجاه تديين الطرف الذي يناهضها، من باب ان «لا يفلّ الحديد إلا الحديد». يتذكر الإسرائيليون قيم الديموقراطية الغربية التي عاشوا في ظلها واستفادوا من تسامحها، لكن أجيالهم اللاحقة ستعيش في الصفوف الخلفية لحافلة ضخمة تضم دولاً دينية اكثر عراقة وشراسة. ويمكن ان نتخيل يسارياً أو ديموقراطياً اسرائيلياً يشعر بالأسى حين يرى مجتمعه منزلقاً الى وهدة طالبان وأمثالها... يختلف الشعار الديني لكن الآلية واحدة. الاثنين 15/3/2010: فضيحة لا مكان للعزلة. الصحراء عارية امام الطائرات والغابات تكشفها الأقمار الاصطناعية والبيت لا تستره الجدران والثياب يمكن محوها بأمر تكنولوجي. لا مكان، حتى لكلام حميم، إذ تحيل الكلمات على صراخ الشارع، والحب حيلة عاطفية والزواج وعد بالملل. ليس الإنسان وحده إنه جماهير الثلثاء 16/./2010: ولسون «العربي» «الوجودية الجديدة عند كولن ولسون» كتاب لسليم عكيش الشمري صدر في بيروت عن «شبكة المعارف» للنشر. كتاب الباحث العراقي الشاب (قد يكون أطروحة جامعية) يجدد علاقة غريبة ازدهرت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، بين كاتب انكليزي مغمور هو كولن ولسون والنخبة العربية، فعندما صدرت ترجمة كتاب ويلسون «اللامنتمي» ortsider بتوقيع أنيس زكي حسن عام 1961، كانت دور النشر العربية تضخ ترجمات لأعمال جان بول سارتر وألبير كامو وسيمون دوبوفوار ودراسات عن «الوجودية»، واستقبل القراء هذه الأعمال وغيرها بعدما روّج لها القوميون العرب، من باب ان «الوجودية» هي الحل في الصراع بين ماركسية وإسلام سياسي. يستحضر سليم عكيش الشمري كولن ولسون، ولكن في زمن غير ملائم، الكاتب الإنكليزي المولود في ليستر عام 1931 لعائلة متوسطة أميل الى الفقر، ترك الدراسة في السادسة عشرة وانصرف الى القراءة والكتابة، ونشر كتابه الأول الأشهر «اللامنتمي» عام 1956 متناولاً شخصيات وأعمالاً أدبية وفنية تجمعها صفة العزلة والعيش في الهامش مع حساسية مفرطة تجاه الآخر وأشياء العالم. الكتاب الذي حقق انتشاراً مفاجئاً أدخل مؤلفه في سياق مجموعة الجيل الغاضب في بريطانيا (من أعضائها جون أوزبورن وهارولد بينتر)، لكن مؤلفات ولسون اللاحقة، وهي روايات «مفكرة» أو أفكار «مروية»، لم يكتب لها الانتشار سوى في العالم العربي لأسباب تعود الى ولعنا القومي الغريب بالوجودية التي نُسب إليها ولسون وإن لم تقع أعماله في صلبها، لذلك سمّاها الشمري «وجودية جديدة». وربما نبالغ إذ ننسب انتشار مؤلفات ولسون الأخرى عندنا الى مجرد ولعنا القومي بالوجودية، ففي أحيان كثيرة يلعب الأشخاص أدواراً لا يسجلها تاريخ الأدب. وهنا نشير الى يوسف شرورو المثقف الفلسطيني المقيم في بريطانيا (قابلته للمرة الأخيرة عام 1995 في مجلسنا اللندني في مقهى دينوس – ساوث كنزنغتون). كان يوسف الصديق الأقرب الى كولن ولسون وهو الوسيط بينه وبين دور النشر العربية، خصوصاً دار الآداب في بيروت، والمشارك في ترجمة عدد من مؤلفاته الى جانب سامي خشبة وأنيس زكي حسن. هذه الصداقة ساهمت في انتشار أعمال ولسون في العالم العربي، الرجل شبه المنسي في بلده بريطانيا، خصوصاً انه انقطع مبكراً عن «الجيل الغاضب» وسائر الأجواء الثقافية لينعزل بعيداً من لندن فلا يلتقيه سوى أصدقاء قلة بينهم يوسف شرور. وكأنما ثبت المراجع في كتاب الشمري يؤكد كلامنا إذ يقتصر على كتب عربية موضوعة أو مترجمة، فلم يجد مؤلف كتاب «الوجودية الجديدة» أي مرجع أجنبي ذي قيمة عن كولن ولسون. مع ذلك ألّف كتاباً عنه وبذل جهداً ملحوظاً ولكن، في الزمن غير المناسب. الأربعاء 17/3/2010: الهارب ناسياً اسمي مشيت حتى الحدود وربما تسللت الى وطن مجاور عابراً الطرق الزراعية المهجورة. مشيت ما دمت قادراً على المشي مستمتعاً بكوني جزءاً من الطبيعة، عصفوراً يطير أو طيناً يخفق بالماء. في آخر المشي سكون وأهل يستدعوني الى البيت ورب عمل الى العمل. الخميس 18/3/2010: الرومانسي المهندس يحتفل المجلس الأعلى للثقافة في مصر بمرور 60 عاماً على رحيل شعراء ثلاثة هم: ابراهيم عبدالقادر المازني (1890- 1949) الناثر الساخر وأحد ناقدي أحمد شوقي القائلين بانتهاء مرحلته وولادة مرحلة جديدة في الشعر العربي، وعلي الجارم (1881 – 1949) الشاعر اللغوي، وعلي محمود طه (1902- 1949) الشاعر الرومانسي وأحد الناشطين في حركة أبوللو التي أسسها أحمد زكي أبو شادي. اليوم مخصص لشاعر كان يصر على اقتران مهنته باسمه (علي محمود طه المهندس)، هو المولود في مدينة المنصورة في حي الخواجات، أتيح له تعلّم لغات أجنبية من مجايليه أبناء الأجانب الكثيرين في تلك المرحلة، ولم يسمح وضع عائلته المادي بإكمال تعليمه فدخل بعد نيل الشهادة الابتدائية مدرسة الفنون التطبيقية وتخرج عام 1924 ليعمل في مجال البناء مصراً على القول انه مهندس. رومانسي في الكتابة والسلوك، أمضى حياته القصيرة عازباً، لكنه كان أشبه بواحد من الأعيان لا بشاعر، بحسب شهادة صلاح عبدالصبور. تأثر بالرومانسيين الفرنسيين والإنكليز، ونقل بعض قصائدهم نظماً الى العربية ومنها «البحيرة» للامرتين: ليت شعري أهكذا نمضي في عباب الى شواطئ غمض ونخوض الزمان في جنح ليل أبديّ يضني النفوس وينضي لكن معاصره اللبناني نقولا فياض ترجم مطلع القصيدة بطريقة مغايرة: أهكذا أبداً تمضي أمانينا نطوي الحياة وليل الموت يطوينا تجري بنا سفن الأعمار ماخرة بحر الوجود ولا نلقي مراسينا وانتشرت لعلي محمود طه ثلاث قصائد لحنها وغناها محمد عبدالوهاب، هي «فلسطين» و «كرنفال فينيسيا» (اسم الأغنية «الجندول)» و «ليالي كليوبترا»، لكن هذا الرومانسي لامس الرمزية التي كانت تنتشر في مصر مع بشر فارس (في صيغة قصيدة نثر) وفي لبنان مع أديب مظهر (في صيغة قصيدة موزونة)، ومن أعمال طه القريبة من الرمزية «التمثال أو قصة الأمل الإنساني»: أقبل الليل واتخذت طريقي لك والنجم مؤنسي ورفيقي ايهذا التمثال ها أنذا جئت لألقاك في السكون العميق بيدي هذه جبلتك من قلبي ومن رونق الشباب الأنيق ولقد حير الطبيعة إسرائي لها كل ليلة وطروقي قلت لا تعجبي فما أنا إلاّ شبح لجّ في الخفاء الوثيق. مرّ نور الضحى على آدمي مطرق في اختلاجة المصعوق صاح بالشمس لا يرعك عذابي فاسكبي النار في دمي وأريقي نارك المشتهاة أندى على القلب وأحنى من الفؤاد الشفيق فخذي الجسم حفنة من رماد وخذي الروح شعلة من حريق المجلس الأعلى للثقافة في مصر يتذكر الشعراء الثلاثة فأين شعرهم اليوم؟ ربما في المدارس الثانوية أو الجامعات، ولكن ليس في الشعر المتداول، على قلته. لكن علي محمود طه يبقى الأكثر حضوراً، ربما لرومانسيته، تلك النزعة العالقة في أي شعر، ولنقل انها «الغنائية» اللصيقة بكل الشعر العربي.