جولة قصيرة في أروقة معرض الجزائر الدولي للكتاب في دورته العشرين، تكون صورة حول توجهات رواده، الذين يعدون بالآلاف يومياً. معرض هذه السنة يشارك فيه 290 ناشراً جزائرياً إلى جانب 620 عارضاً أجنبياً يمثلون 47 دولة. على رفوف أجنحة دور النشر، تتنوع الكتب بتنوع تخصص الدور من كتب الدين وكتب الأدب والتاريخ إلى الكتب العلمية، وصولاً إلى كتب الأطفال. تنوع يقابله تنوع في اهتمامات رواد المعرض، بخاصة الشباب من طلاب وباحثين ينكبون على اكتشاف ما جادت به دور النشر من كتب وبحوث جديدة أو يقفون في طوابير، بانتظار دورهم للحصول على توقيع أحد الكتّاب. وتستقطب الكتب الدينية والكتب العلمية وشبه المدرسية جمهوراً واسعاً من زوار المعرض، وهي دائماً ما تكون على رأس قائمة الأكثر مبيعاً، حيث الفرصة مواتية للمهتمين لاقتناء الكتب التي يريدون الحصول عليها بأقل الأثمان، مقارنة بما تعرضه المكتبات خارج المعرض. لكن الزوار اشتكوا من ارتفاع الأسعار هذه السنة، وهو ارتفاع برره الناشرون بارتفاع قيمة الدولار، وارتفاع كلفة الشحن والإقامة وإيجار المساحة داخل المعرض. لكن هذه الاعتبارات لا يهضمها الطالب الذي يربط قائمة ما يريد الحصول عليه بميزانيته الضعيفة، خاصة أن الكتب العلمية المتخصصة باهظة الثمن، كما تقول ليلى وهي طالبة في الطب أمسكت بتردد كتاباً تحتاجه لتخصصها، صادر من دار «هاشيت» الفرنسية وسعره يتجاوز 5 آلاف دينار أي حوالى 45 دولاراً، مع أن ميزانيتها الإجمالية لشراء الكتب لا تتعدى 120 دولاراً. أما الكتب العربية، فهي «في المتناول» وفق ما قال ياسين، طالب ماجستير في الأدب العربي، مبدياً رضاه عن أسعار ديوان المطبوعات الجامعية. وعلى رغم السعر المرتفع، إلا أن هناك دور نشر متخصصة بالكتب العلمية، تشهد أجنحتها اكتظاظاً كبيراً، فالطلاب يتسمرون أمام الرفوف للاطلاع على آخر الإصدارات في تخصصهم الجامعي أو للبحث عن عناوين معينة. وبعيداً من الكتب الجامعية التي تعد المقصد الأول للطلاب والباحثين أو الكتب الدينية، للشباب في الجزائر اهتمامات أدبية وتاريخية على غرار مذكرات المجاهدين وزعماء الثورة الجزائرية والتي تزامن إحياء اندلاعها مع انطلاق معرض الكتاب، أو الأعمال الأدبية التي نالت الجوائز سواء عربياً أو في الغرب وبخاصة في فرنسا. في السياق، يقول الإعلامي والكاتب رشدي رضوان إن «الإعلام بات يلعب دوراً كبيراً في توجيه الاهتمامات، فقد شهدنا في الدورة السابقة اهتماماً كبيراً بكتاب التاريخ ومذكّرات الشخصيات التاريخية، كما عرفت الروايات التي حظيت بجوائز أدبية في المشرق العربي وفي فرنسا بالتحديد، هذه السنة، حضوراً لافتاً من الشباب الزائر للصالون». الإعلامي المتخصص في الشأن الثقافي محمد علال، يتحدث عن توجهات شراء الكتب لدى شريحة الشباب من منظور مختلف. يقول: «على رغم عدم وجود مراكز متخصصة لاستطلاع توجهات شراء الكتب، لكننا نلمس توجه الشباب نحو اقتناء الكتاب المرتبط بمجال الدراسة، بينما تندرج الروايات والكتب المترجمة ضمن الكماليات في مفهوم المواطن الجزائري وهذا يتوقف على القدرة الشرائية». صالون الكتاب ليس فقط فرصة لشراء كتاب، بل أيضاً لتسويق أسماء شابة في عالم الكتابة والأدب، وينتظره الكثير من الشباب لعرض نتاجهم أو باكورة أعمالهم، في مناسبة هي الأفضل التي يتقاطع فيها الحضور القوي لدور النشر والإعلام والجمهور، وهي عوامل كلها تزيد من حظوظ هؤلاء الكتاب لإسماع صوت قلمهم وتحقيق الانتشار. عرض العديد من الكتّاب الشباب أعمالهم عن طريق البيع بالإهداء، على غرار الكاتب الواعد ميلود يبرير، الفائز بجائزة الشارقة للإبداع العربي، عن روايته «جنوب الملح». كما وقعت الروائية والجامعية الشابة هاجر قويدري روايتها الثانية تحت عنوان «الريس» والتي ترسم فيها قصة الريس حميدو، أحد أشهر «رياس» البحر في تاريخ الجزائر إبان العصر العثماني، في حين وقعت الصحافية زهية منصر كتابها «على خط النار... شهادات إعلاميات عايشن الإرهاب»، والذي يروي معاناة ومأساة الإعلاميات الجزائريات، خلال العشرية الحمراء ومواجهتهن للإرهاب الدموي بالقلم. على غرار كل معارض الكتب عبر العالم، تنزل إحدى الدول المشاركة ضيفة على المعرض، وكانت فرنسا ضيفة معرض الجزائر هذه السنة، وحجزت لنفسها أكبر حيز يخصص لدور النشر وفي أهم جناح عرض، وحضر الفرنسيون للمعرض جيداً واهتموا بأدق التفاصيل وحاولوا إبهار الجمهور بطريقة عرضهم سواء للكتب أو لأنشطتهم. لكن على رغم هذه التحضيرات، وعلى رغم أن اللغة الفرنسية هي الأكثر شيوعاً بعد العربية في الجزائر، إلا أن لغة شكسبير بدأت تزاحم لغة موليير في الجزائر، فدور النشر البريطانية والأميركية لاقت إقبالاً منقطع النظير من الشباب الجامعي وأطفال المدارس. ويقول الإعلامي محمد علال: «لاحظنا تزايد الاهتمام بالكتب الإنكليزية منذ السنة الماضية، عندما كانت الولاياتالمتحدة ضيفة شرف، وأعتقد ان الجزائر تنجب جيلاً جديداً غير وفيّ لميراث الاستعمار اللغوي ولم تعد معها الجملة الشهيرة التي قالها كاتب ياسين أن اللغة الفرنسية غنيمة استعمارية تحقق هذا المعنى». وأضاف: «جيل المستقبل يجد في الإنكليزية انفتاحاً أكبر على العالم». في حين يتحدث الكاتب رشدي رضوان عن دور العائلة أيضاً بالقول «قد يعود سبب هذا الإقبال على تعلّم اللغة الإنكليزية في الجزائر إلى انفتاح العائلة الجزائرية على لغات أخرى خارج اللغة الفرنسية التي بقيت مهيمنة على اللسان الجزائري لعقود من الزمن». تعليم الإنكليزية والاهتمام بها اللذان ظهرا جليّين في معرض الكتاب هذه السنة، يأتيان في سياق النقاش الذي شهدته الجزائر في الآونة الأخيرة حول تعليم اللغة الانكليزية في المرحلة الابتدائية، بحكم أنها الأكثر انتشاراً عالمياً وهي مفتاح إلى العالم.