لم يخرج المعرض الدولي للكتاب في الجزائر عما ألفه في السنوات السابقة لجهة الإقبال الكبير على الكتاب الديني وتصدره قائمة المبيعات على حساب بقية أنواع الكتب. وإن شهدت الكتب العلمية والجامعية إقبالاً كبيراً أيضاً، إلا أن المعرض الذي فاق عدد زواره المليون وثلاثمئة ألف زائر على مدار 11 يوماً وانطلق هذه السنة بشعار «افتح لي العالم»، بمشاركة 929 دار نشر جزائرية وعربية وعالمية، كسر روتينه المعتاد بتسجيل عدد متزايد من إصدارات الكتاب والإعلاميين الشباب سواء في الرواية أم القصة أم كتابة المذكرات مقارنة بالطبعات السابقة. يأتي ذلك في وقت بقي الزبائن الشباب مخلصين لعادتهم باقتناء كتب تتناسب وتخصصاتهم الدراسية، تاركين الكتاب الأدبي لتحكم موازناتهم القليلة. وحجز أكثر من مئة ألف عنوان أمكنة على رفوف أجنحة المعرض الدولي في طبعته الثامنة عشرة، شكل الكتاب الديني نسبة 20 في المئة منها، وهو الكتاب الذي حقق أعلى مبيعات بحسب القائمين. لكن تلك شهادة لا تنتظر أن تسمعها بشكل رسمي من المنظمين أو دور النشر، بل يمكن ملاحظتها سريعاً بمجرد مراقبة ما يحمله الزوار من مجلدات أو كتيبات خصوصاً منها كتب الفقه والتفسير والسيرة. واحتل رأس القائمة للأكثر مبيعاً كل من كتاب الشيخ عائض القرني «لا تحزن» وكتب الشيخ محمد الغزالي. والواقع إن الكتاب الديني يلقى رواجاً، ليس فقط بسبب اهتمام القراء الشباب به، لكن أيضاً بسبب سعره الذي تعمد دور النشر إلى جعله يقارب نصف سعر الكتب الأدبية ودواوين الشعر والمؤلفات الأخرى، ناهيك بنوعية طباعة راقية. وإذ يبقى الكتاب الديني «ميزة صالون الجزائر»، كما قالت عنه عدة دور نشر عربية وأجنبية تسعى لحضور المعرض للاستفادة من نمو عدد زواره المتزايد والذي بلغ 29 في المئة عن العام الماضي, إلا أن الكتاب العلمي وجد هو أيضاً موطئ قدم في صدارة الكتب الأكثر طلباً ومبيعاً. فارتفع الطلب على الكتب العلمية والمعاجم هذه السنة ومنها الموجه للأطفال أيضاً. ويقول الإعلامي محمد علال ل «الحياة» أن «من الملاحظ الحضور الكبير للشباب في المعرض الذين قدموا من مختلف ربوع الوطن، وأن الجامعيين انتقائيون في شرائهم إذ يخصصون الجزء الأكبر من موازناتهم للكتب العلمية التي يحتاجونها في دراساتهم، في حين يقل شراؤهم لكتب الأدب والشعر لمؤلفين عرب أو عالميين. وطبعاً هناك من يأتي إلى المعرض ويمضي وقته متجولاً بين الأجنحة من دون أن يستطيع شراء كتاب واحد بسبب غلاء الأسعار». جيل جديد من الكتاب وكما ميز صالون الكتاب هذه السنة الإقبال المتزايد على الكتاب الديني، فهو رفع الستار أيضاً عن كتاب شباب، خصوصاً من الناشطين في الحقل الإعلامي، دخلوا عالم الكتابة وقدموا نتاجهم للقراء في المعرض في تجربة أولى للبعض، تركت بصمة وسجلت لهم حضوراً لافتاً. واعتبر الكثير من المتتبعين للنشاط الثقافي في الجزائر، أن ميول الصحافيين إلى الكتابة والنشر ظاهرة آخذة في التوسع بعكس ما كانت عليه سابقاً، وأرجعوها إلى عوامل منها تسهيل عملية الطبع ودعم دور النشر للكتاب الشباب محلياً وعربياً. ويقول الصحافي عثمان لحياني الذي نشر كتابين الأول بعنوان «حديث عن العهدة الثالثة» والثاني بعنوان «تونس... حالة ثورة/ محنة الديموقراطية والنجاح الممكن» ل «الحياة» إن «اللافت في معرض كهذا أن هناك موجة من الصحافيين توجهت إلى الكتابة. فعدد كبير أصدر كتباً أقرب إلى الشهادات الحية عن أحداث مفصلية وتاريخية سواء تابعوها أم قاموا بتغطيتها، وأعتقد أن الظاهرة صحية في مجملها، عدا بعض التفاصيل المتصلة بضرورة احترام الخط الفاصل بين الكتابة للصحيفة والكتابة للكتاب على اعتبار أن الصحافي يكتب لزمانه، والكاتب يكتب للآتي من الأيام». في المقابل يرى مصطفى دالع مؤلف كتاب «سباق مع القدر: قصة مذكرات مهساس التي لم تكتب»، وهو عبارة عن مذكرات للمجاهد الراحل محمد مهساس أن «الصحافيين الشباب في الجزائر أصبحوا أكثر ميلاً لاقتحام عالم الكتاب وكسر الحاجز النفسي الذي يحول بينهم وبين التأليف. وكان التصور السائد أنه لا يصدر كتاباً إلا من كانت له خبرة كبيرة وتجربة عميقة في تخصص معين». وعلل دالع هذا الإقبال «بانتشار دور النشر في الجزائر التي فاق عددها 200 دار تتنافس على نشر مشاريع جديدة، وهناك دور نشر كبيرة حتى في الوطن العربي أصبحت تبحث عن مبدعين شباب لإطلاق أسماء جديدة». وقال الإعلامي والكاتب محمد علاوة حاجي صاحب كتاب «في رواية أخرى»: «صحيح أن مشاركة الكتّاب الشباب في المعرض كانت لافتة وخصوصاً في مجالي الرواية والشعر، لكن هذا لا يعني أنهم اكتسحوا المشهد الأدبي، فحضورهم لا يزال خجولاً. ففي المعرض شهدنا إقبالاً كبيراً على روائيين معروفين مثل ياسمينة خضرا وواسيني الأعرج وأمين الزاوي، مقابل إقبال ضعيف على الكتّاب الشباب. وذلك مرتبط في الأساس بصعوبة تكريس اسم جديد، في ظلّ غياب ثقافة التشجيع وعدم منح الجوائز الأدبية لغير الأسماء المكرسة وضعف التسويق الذكي».