لم يفاجئني الاختلاف في وجهات النظر بين صديقي الشاعرين حسن عبد راضي وحسين القاصد، فهما يختلفان على كل شيء، حتى انني بت اظن في بعض الأحيان انهما يصطنعان الاختلاف فقط لإثارة الجدل. ولكن ما ادهشني حقاً هو اختلاف اذواقهما في تقويم النساء ولم اكتشف ذلك الا أخيراً. خلال لقائنا الأسبوعي في احد المقاهي في شارع ابو نوّاس، مرت مجموعة من الفتيات في عقدهن الثاني يجذبن النظر، فاختلف صاحبيّ مجدداً، إذ تغزل حسن بفتاة رشيقة، فنعته القاصد بقلة الذوق، وراح يتغزل برفيقتها الممتلئة. اخذت حماسة النقاش الصاحبين حتى نسيا انهما في مكان عام ترتاده العائلات. ارتفاع صوتهما جذب جمع من الشباّن الى المشاركة في النقاش ومن دون سابق دعوة. وقال احدهم، ويدعى ضياء، ان الممتلئة مثيرة جنسياً فقط، لكن اثارتها وقتية وعمر جمالها محدود ينتهي مع اول حمل وولادة لأن جسمها سوف يترهل ووزنها سيزداد. ثم اضاف بصوت غاضب، يُسمع في الليل على بعد ميل، ان الرشيقة جميلة وجذابة وتحافظ على جمالها حتى عندما تكبر وتعجز. لم يكمل ضياء كلامه حتى قاطعه علاء مستنكراً بشدة، وواصفاً المرأة النحيفة بأنها «عظام تمشي ليس فيها جاذبية». واستدرك مدافعاً عن رأيه ان «الممتلئة امرأة كاملة الأنوثة والجاذبية لأنه ليس من المعقول ان يُفتن شخص بفتاة تتلوى كالأفعى». توفيق كانت له مداخلة عجيبة، إذ قال ان الرجل يفضل المرأة الممتلئة للزواج والرشيقة للصداقة. وعزا ذلك الى ان الشرقيين تتحكم بهم الغرائز وتقودهم الشهوات. وحتى ولو اظهروا شيئاً من الرومانسية، فهي زائفة ومصطنعة. مصطفى حاول التقريب بين المختلفين وتهدئة النقاش فأخذ طريقاً وسطاً، واعتبر ان لا المرأة الممتلئة بإفراط ولا النحيفة جداً مقبولة بل ان الاتزان في كلا الحالين هو المطلوب. خبراء في الاجتماع والتربية لهم رأي آخر. الباحث الاجتماعي الدكتور فؤاد طاهر، يرى ان الشرقيين بصورة عامة يفضلون المرأة الممتلئة ذات المفاتن البارزة والظاهرة، مبيناً ان الرجل الشرقي «لا يبحث عن الجوانب المشرقة في شخصية المرأة، بل يبحث عن مفاتن مادية تعوضه فترات الحرمان والانغلاق». والعراقي، كما يلاحظ، «لم يعرف الاختلاط مع الجنس الآخر الا من وقت قريب، لذلك فهو يريد اشباع حاجته المادية، ولا يريد شخصاً يشاطره الرأي ويشترك معه في ادارة أمور الحياة، لأنه يعتبر ذلك تعدياً على سلطته الذكورية». ويعتقد طاهر ان «المجتمعات المنغلقة، ومنها المجتمع العراقي، لا يمكن الا ان تنظر نظرة شهوانية الى المرأة. ولذلك، فمعظم أفرادها الذكور يفضّلون الممتلئات ذوات المفاتن البارزة والظاهرة»، مستنداً إلى نتائج «دراسات وبحوث واستطلاعات الرأي، تظهر ان اكثر من 70 في المئة من العراقيين يفضلون الممتلئة، وترتفع هذه النسبة إلى 80 في المئة في المناطق الريفية وبين من حصّلوا التعليم المتوسط، وتنخفض الى نحو 48 في المئة عند خريجي الجامعات». ويلفت الى ان الشبّان من خريجي الجامعات يختلطون لأربع سنوات او اكثر بالشابات، «ما يجعلهم يرون أولاّ ويفضلون ثانياً جوانب أخرى في المرأة». استمر الجدال الليليي، وانخرط فيه مزيد من الشبّان وكبار في السن، ما جعل صديقي القاصد وعبد راضي يسكتان ويتحولان الى مستمعين. ولعل القاصد شمت كثيراً بحسن عبد راضي، عندما سخر رجل عجوز من رأيه، وقال له ان المرأة النحيفة لا تلزم الرجل الحقيقي «الممتلئ»، وهو يبتسم ابتسامة ذات مغزى. واضطر حسن إلى احترام وجهة نظر العجوز الذي قارب عقده السابع، ثم الانسحاب. لحقنا به وتركنا الجلسة التي بدأناها نحن تستمر من دوننا. فقال له القاصد: «هل رأيت؟ الغالبية مع رأيي». فأجابه حسن بصوت هادئ لئلا يعيد الجدل العقيم: «لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع». منذ البداية، تحولت الى مستمع. وأذهلني الاحتدام الذي افسد علينا نزهتنا التي ننتظرها كل أسبوع. وكنت احسب ان كل الرجال ينظرون الى النساء مثلما أفعل، فأنا اعتبرهن حديقة الزهور يزداد جمالها بكثرة تنوعها، وما أجمل التنوع في النساء، «فكل ما فيها أمير... أمير»، كما يقول نزار قباني.