وصف الناقد علي الشدوي المجتمع السعودي ب«المتفرج»، في ورقة قدمها مساء أول من أمس، في الحلقة النقدية التي ينظمها نادي جدة الأدبي. واستعرض الشدوي فرضية أوهام المسرح وفق مفهوم «فرانسيس بيكون»، كونها تعبيراً، يوصف من خلالها، علاقة المجتمع السعودي بالنظريات والمذاهب، خلال حقبة الثمانينات الميلادية، التي توزع المثقفون فيها، بين نظريات ومذاهب عاصرت تلك الفترة من تقليدية وحداثية، وصحوية»، موضحاً أن المجتمع ماج «بممثلين» يروحون ويجيئون، أصبحوا محل قبول لدى المجتمع من دون تمحيص لنظرياتهم ومذاهبهم. واختار الشدوي رواية «فسوق» لعبده خال، نمودجاً لكشف المستور، وأيضاً كونها - كما يراها الشدوي - الشكل الأدبي العاكس على الوجه الأكمل، لكل تعددٍ لأشكال التفكير في المجتمع، مشيراً إلى خلفيتها التي تقوم على مرحلةٍ يبقى فيها شكل المجتمع ومحتواه في توتر غير قابل للتسوية، ومرحلة ما لم يحدث بعد، ومرحلة ما لن يعود أبداً. ويرى الشدوي أن الرواية على رغم كونها تستوحي مادتها الأولي من إشاعة هزت الذاكرة الشعبية في المملكة، «إلا أن غايتها تجاوزت سرد الإشاعة، إلى تفسير شيء ما يختفي وراءها، من قيم اجتماعية تهتز»، لافتاً إلى قيم أخرى غير معلنة، «يبقى ظهورها محجوباً بغلالة رقيقة». وقال: «ومابين قيم لم تحدث بعد وأخرى لن تعود أبداً يوجد شيء ما لا أحد يعرف كنهه». وفي المداخلات، لفت الدكتور زيد الفضيل إلى أهمية ما طرحه الشدوي في ورقته، موضحاً أن الورقة تصلح، «مقدمة لأوراق أكثر تفصيلاً في المستقبل، سواء منه أم من غيره من راصدي ومحللي المرحلة الثقافية الماضية». وقال الفضيل: «علي الشدوي أراد أن يقرأ الأسباب الكامنة وراء حالة الصراع الفكري بين مختلف الأطياف والشرائح، من خلال عصر الثمانينات الميلادي، الذي اشتهر بأنه عصر الصحوة الإسلاموية من جانب، كما اعتبر عصر بروز حالة التنوير في المشهد الثقافي السعودي، ذلك الصراع الذي أدى إلى وضوح معالم الرغبة في المحو والاجتثاث من عديد من الأطياف المتصارعة في حينه، وهو سلوك أرى أنه يعكس جانباً كبيراً من سمات الشخصية العربية بوجه عام، التي تكونت في فترة ما قبل الإسلام وفق منظورين، أولهما ينطلق من ذهنية القوة والغلبه، وثانيهما يقوم على ذهنية المنفعة التي تقوم على ثنائية الربح والخسارة، فصبغت سمات الشخصية العربية بشكل عام». في حين ذكر الدكتور علي العيدروس أن الشدوي استطاع بذكاء أن يسحب الحضور إلى قراءة الرواية، من خلال تصدعات المجتمع وليس كما هو المعتاد. وقال إن الشدوي حاول، من خلال رواية «فسوق»، أن يستقرئ علاقة المجتمع السعودي بالنظريات والمذاهب التي اجتاحته آنذاك، ليصل إلى عملية الصراع بين القيم. وسأل شعلان الشمري: «لماذا ظهرت هذه التعددية في هذا التوقيت؟ ولماذا هي بهذه الحدة؟ موضحاً أن البعض يرى المسألة من زاوية صراع بين القديم والجديد، فيما البعض الآخر يراها صراعاً بين الظلام والتنوير، وهناك من يراها بين الحق والباطل. وقال الشمري إن المجتمع السعودي، «يتميز بهذا الصدام أكثر من غيره من المجتمعات»، وعزا السبب إلى انتقال المجتمع السعودي في غالبيته من البداوة إلى الحياة المدنية الحديثة، خلال نصف قرن، «وهي فترة قليلة جداً في تطور المجتمعات، التي استغرقت في هذه الصيرورة مئات السنين».