قدّم الناقد على الشدوي خلال الحلقة النقدية التي نظمها النادي الأدبي بجدة مساء أمس ورقة نقدية بعنوان (أوهام المسرح) قال إن هناك نظريات ومذاهب، وأن هناك ممثلين لها يروحون ويجيئون بينما المجتمع يتفرج على هؤلاء في رواحهم ومجيئهم؟ وقال الشدوي سأختبر هذا في رواية (فسوق) لعبده خال، أما لماذا رواية؟ فلأن الرواية هي الشكل الأدبي الذي ينعكس فيه على الوجه الأكمل تعدد أشكال التفكير في المجتمع فهي الناقل الأدبي للجراحات الفكرية والعاطفية التي تُبنى على المذاهب والنظريات الضيّقة. تضع شكلها الروائي ومضمونها في وضع تعبئة عامة ودائمة لتبدل الفكر الواحد المغلق والجامد والضامن للانغلاق والجمود بتعدد الأفكار المنفتحة والناشطة التي توفر أسباب التطور في المجتمعات البشرية. وأبان الشدوي قائلا استوحت رواية (فسوق) مادتها الأولى (نواة الحكي) من شائعة هزت الذاكرة الشعبية في المنطقة الغربية من المملكة قبل عدة سنوات، إلا أن محتوى الرواية يتجاوز بكثير الإطار الضيق لتلك الشائعة، وينفتح على تصدعات مجتمع، ويبرز للعيان قيما تقليدية تتعرض لحلحلة.، فالهدف من الرواية هي أن تظهر أن تحولات عميقة تتغلغل في مجمل القيم التقليدية في المجتمع السعودي، وأن هناك قيما كامنة تلائم سيرورة المجتمع، وإذا ما نحينا جانبا الحدث العجائبي في الصفحة الأولى من الرواية، أعني الجملة (هربت من قبرها) الذي لم يعد ذا بال في كتابة الرواية. وأكثر من ذلك وإذا ما نحينا حدث اكتشاف جثتها مجمدة في ثلاجة في الصفحات الأخيرة من الرواية الذي لم يكن مقنعا بما فيه الكفاية – إلا أنهما يبقيان حدثين مثيرين يشيران إلى قيم اجتماعية تكاد تكون ميّتة في المجتمع السعودي لكنها لم تدفن. وقال الشدوي أين توجد خلفية رواية (فسوق)؟ هل توجد خلفية الرواية في عالم حداثي يحمل مشروعا تدميريا للعالم كما يسلم به الإنسان التقليدي اعتياديا ويوميا؟ ليس بعد. هل توجد في العالم المقابل حيث القيم التقليدية التي تهدئ وتخدر تحت أقنعة دينية أو أخلاقية أو سياسية أو جمالية؟ لا ليس كذلك. هل تنهل خلفية الرواية من مفاهيم المحو والكتابة والنسيان والاجتثاث التي تقترحها الشخصيتان (أيمن وفواز) لإحلال قيم جديدة محل قيم قديمة؟ أبدا. هل تنهل أفكارها من أفكار رئيس مركز هيئة الأمر والمعروف والنهي عن المنكر الذي يحاول إعادة إنتاج القيم القديمة؟ أبدا. أي خلفية إذن ما دام لا بد من أن توجد خلفية للرواية؟ يظل هذا السؤال أساسيا وفعالا، ويشكل مفتاح مستغلقات الرواية من الزاوية التي تهم موضوعنا، ولا تنال من فعاليته الأسئلة التي سبقته، بل تشد من أزره، لكونه ينهل من النفي المصاحب لكل منها، وقبل أن نجيب عن هذا السؤال هناك إمكانية لتقليب زوايا النظر، وأن نقوم استنادا إلى تلك الزوايا بتجريب خلفيات متنوعة للرواية. وسنتوقف عند كل إمكانية تتصف بأهمية خاصة لفكرتنا. سنقصر مقاربتنا على خلفية الرواية، ولن نعرض لجماليتها. سنقتصر في هذا الصدد على إبداء الملاحظة التالية وحسب، فعلى ما يبدو أن الرواية قد قايضت الجمالي بما يتطلبه السوق. وقال الشدوي يكمن الفرق بين مفهومي المحو والاجتثاث في الدرجة لا في النوع، فإذا كان المحو يعني إزالة الأثر، والاجتثاث يعني الاقتلاع من الأساس، فإن الفكرة واحدة هي أن ما يُمحا أو يُجتث يكون كما لو أنه لم يحدث قط. الفرق في الدرجة يكمن في أن الاجتثاث فكرة مشحونة بالحنق، هذا الحنق يشوه العقل بالقدر الذي تفسد فيه الفكرة المشحونة بالحنق العقلَ. أما (المحو) فهو الاستعادة الهادئة للأشياء مجردة من أي كتابة، وهو بهذا المعنى يزيل المساوئ فتستعيد الأشياء حرمتها الأصلية، . هكذا إذن وعلى الرغم من كل الاختلافات بين (أيمن) ورجل الهيئة في رواية خال ينتهيان إلى مفهوم واحد لكن عبر طريقين مختلفتين، لذلك ليس غريبا أن ينتهيا إلى هذا المفهوم القسري، فمثل هذه المفاهيم تولد في مرحلة الهزات العميقة التي تحدث في مجال الفكر والقيم العزيزة وفي مجال التقاليد والعادات اليومية، وبالتالي لم تكن غاية الرواية سرد الشائعة بقدر ما كانت تسعى إلى تفسير شيء ما يختفي وراءها. قيم اجتماعية تهتز لكنها لم تنهر بعد، وقيم أخرى غير معلنة يبقى ظهورها محجوبا بغلالة رقيقة، وما بين قيم لم تحدث بعد وأخرى لن تعود أبدا يوجد شيء ما لا أحد يعرف كنهه، لكن الرواية لا يمكن أن تتجاهله أو تنحيه جانبا. وشهدت الحلقة التي أدارها الناقد الدكتور محمد ربيع الغامدي مداخلات عدد كبير من النقاد الحاضرين والمهتمين ما بين مؤيد ومعارض. وكان من أبرز الحضور الدكتور عبد الله الخطيب والدكتور على العيدروس والدكتور بدر بن ندا العتيبي والكاتب المسرحي فهد الأسمري والمهندس سعيد بن فرحه، والدكتورة لمياء باعشن،، والدكتورة أميرة كشغري، والدكتورة فاطمة إلياس وطاهر الزهراني وصالح فيضي وزيد الفضيل وصادق الشعلان وجواهرالحربي وسناء الغامدي وحنان بياري. . رابط الخبر بصحيفة الوئام: الشدوي: الرواية هي الناقل الأدبي للجراحات الفكرية