لم ينته الاجتماع الذي عقده رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أمس، في السراي الكبيرة، والذي خصص للبحث في موضوع إيجاد مطامر للنفايات، إلى نتيجة تفضي إلى تحديد موعد لعقد جلسة لمجلس الوزراء تنهي الأزمة القائمة حول مصير النفايات المنزلية في بيروت وجبل لبنان، والتي أخذت منحى طائفياً ثم مذهبياً وخلفت امتعاضاً جامعاً من الرأي العام المعني بالتخلص من نفاياته والرافض في الوقت نفسه طمرها في مناطق سكنه. وفيما تمضي النقاشات في العلن وخلف الأبواب المغلقة بحثاً عمن يتلقف «القميص الوسخ»، يعود الحراك المدني إلى الشارع اليوم، في مسيرة تقصد في الثالثة بعد الظهر المكب المستحدث في سد البوشرية إلى جبل النفايات بمحاذاة نهر بيروت، «لنتضامن مع أهالي سد البوشرية المعرضين للمرض نتيجة سموم المحارق والغازات المنبعثة من تحلل النفايات وتسرب عصائرها إلى المياه الجوفية ومن تفشي الجراثيم». وشارك في اجتماع السراي وزيرا المال علي حسن خليل والزراعة أكرم شهيب، ورئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر. وأعلن شهيّب بعد الاجتماع، أن «النقاش في ملف النفايات لا يزال مستمراً، وهناك توجه إلى الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء لهذه الغاية». على أن الاجتماع ترافق مع موقف رافض للنائب طلال أرسلان الذي عقد مؤتمراً صحافياً أعلن فيه «رفض إقامة أي مطمر للنفايات على الخط البحري لبلدية الشويفات»، مشيراً إلى أنه تبلّغ رسمياً أن رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط «لن يوافق على أي طرح نرفضه نحن». وأسف لأن «بعد كل الذي حصل في مجريات الأمور في مسألة النفايات تقع القرعة على شط الشويفات البحري (حديث عن موافقة «حزب الله» وحركة «أمل» على فتح مكب كوستا برافا - خلدة) الأمر الذي يمثل كارثة بيئية تعني الشويفات ولبنان وحوض البحر المتوسط». وناشد رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة تمام سلام وجنبلاط أن «نتعاون جميعاً لحماية أهل الشويفات وبيئتها وثروتها، لأنها فتحت ذراعيها لكل اللبنانيين». ولوح بأنه «إذا ما تقرر التحرك في الشارع فسأكون من أول المشاركين، فلا يضعونا أمام الأمر الواقع». وفي إطار إيجاد المطامر المطلوبة، ذكرت الوكالة «المركزية» أن رؤساء البلديات المعنية في المتن ساحلاً وجبلاً، سيعقدون اجتماعاً ظهر غد في مقر اتحاد بلديات المنطقة للاطلاع على تفاصيل الخطة التي كان النائب ميشال المر كلف لجنة من المختصين والبيئيين وضعها لإبداء الملاحظات عليها إذا ما وجدت، ولإعلان الموافقة النهائية على الخطة التي ستحملها رئيسة الاتحاد ميرنا المر ممهورة بتواقيع رؤساء البلديات إلى والدها (النائب المر) الذي سيحملها إلى رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون الذي سيلتقيه مطلع الأسبوع لإطلاعه على تفاصيل الخطة. وتقوم الخطة على إنشاء معمل حديث لمعالجة النفايات والتخلص من المواد الصلبة التي يخلفها في منطقة برج حمود العقارية القريبة من شاطئ البحر والكرنتينا على قطعة أرض تبلغ مساحتها 100 ألف متر مربع استملكها اتحاد بلديات المتن الشمالي في عام 1992، وقدرة هذا المعمل تتخطى العشرة آلاف طن يومياً، ولن يكون في إمكانه إلا معالجة نفايات المتن الشمالي وقسم من مناطق كسروان والفتوح وجبيل وسواها، على أن الفترة المقدرة لإقامته واللازمة لانتهاء العمل فيه لا تتعدى الستة أشهر، وفي حال نجاح المشروع يمكن تعميمه. وتنتفي الحاجة إلى ترحيل نفايات هذه المناطق إلى مناطق أخرى شمالاً أو جنوباً أو بقاعاً. ونفت بلدية الكفور في قضاء النبطية أي «اتفاق على فتح مكب في البلدة لحل مسألة النفايات». «حزب الله»: قدمنا ما يمكن وأمل عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية علي فياض «الوصول إلى حل سريع لمشكلة النفايات في البلد»، وقال: «قدمنا في حزب الله وحركة أمل كل ما يمكن تقديمه من تسهيلات ومواقف وإجراءات تساعد على الوصول إلى حل سريع لهذه المشكلة التي نعتبرها مشكلة وطنية، والتي تحتاج إلى تضافر جهود الجميع متجاوزين المنطق الطائفي والمناطقي، فنحن لم يعد في جعبتنا ما يمكن أن نقدمه من تسهيلات في هذا الاتجاه، وباتت الكرة الآن في ملعب القوى والأطراف الأخرى، ولكننا حاضرون دائماً للتعاون ولمد اليد وللتعاطي مع هذه القضية على أساس أنها قضية وطنية تتجاوز المناطق والطوائف وأي حساسيات أخرى». ورأى عضو «اللقاء الديموقراطي» النيابي غازي العريضي أن «رئيس الحكومة تمام سلام يتحمل ما لا يتحمله أحد من الشركاء في الحكومة، وهو يقوم بجهد استثنائي»، وقال: «هذه التجربة هي من أصعب التجارب والوزير شهيب تحمل القسم الأكبر منها». وقال لإذاعة «صوت لبنان»: «نبتعد عن الاستحقاق الرئاسي»، مؤكداً أن «عدد العاملين في السياسة لا يحصى إنما السياسيون لا يتجاوز عددهم أصابع اليد». المرعبي: لن نتخلى عن العاصمة ونوه عضو كتلة «المستقبل» النيابية معين المرعبي بوزيري الداخلية نهاد المشنوق والزراعة شهيب على «الجهد الكبير الذي يبذلانه في سبيل إيجاد الحلول لأزمة النفايات». وتحدث عن مكب سرار الذي يراد تحويله إلى مطمر فقال: «بيروت بكل مكوناتها، كانت ولا تزال تحتضن وفي شكل خاص أبناء عكار الأوفياء، وتقف دائماً برموزها وقادتها إلى جانب عكار المظلومة، داعمة لمطالبها وحقوقها العادلة. واليوم، إذ نرى أن الجميع تخلى عن عاصمتنا ونفض أيديه منها، حتى وصل الوضع فيها إلى الحد الذي شكل خطراً داهماً على حياة أطفالها ونسائها ورجالها الأوفياء، والذين هم إخواننا وأهلنا وأحبتنا كما جميع مواطنينا، فما يصيبنا يصيبهم وما يؤلمهم يؤلمنا، لذلك ندعو أبناء عكار وأهلها الأوفياء إلى تلبية نداء بيروت الموجوعة لإنقاذها والإصرار على الحكومة أن تقر مرسوم استملاك هذا المكان واعتماد خطة فرز النفايات وإنشاء معامل الفرز والتسبيخ ومعمل معالجة العصارة بالتوازي مع أعمال تنفيذ المطمر تمهيداً لتشغيل هذه المعامل بأسرع وقت، للتمكن من استيعاب إضافة إلى نفايات عكار، نفايات بيروت الإدارية حصراً، ما يوقف الضرر المزمن اللاحق بأبنائنا في القرى المحيطة بقرية سرار». الحراك المدني وعادت مكونات الحراك المدني مجتمعة إلى رفع الصوت ضد الطبقة السياسية الحاكمة، وقالت في بيان: «فشلتم في تأمين الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم، حتى بعد 25 عاماً على انتهاء حروبكم في أشكالها المختلفة، والتي أنهكت اللبنانيين وقتلتهم وهجرتهم، وما زلنا نرزح تحت مخلفاتها، وضعتم يدكم على مؤسسات الدولة ومواردها ووظائفها، ولم تسلم أموال البلديات من قبضتكم. فبات كل شيء غنماً وفق نظام المحاصصة والفساد. وتلاشت حقوق المواطنين بالصحة والأجر العادل والتعليم والمحاكمة العادلة حتى كادت تضمحل. وملف النفايات حلقة من حلقاته الطويلة». وأضافت: «أنتم لا تتورعون عن تهديد جميع الناس بصحتهم لخوض لعبة ابتزاز في ما بينكم». وأكدت الهيئات المدنية أن «حراكنا امتداد لنضال طويل مستمر. ونحن مندفعون أكثر من أي يوم مضى حتى تحقيق كل مطالبنا في موضوع النفايات». وحضت على المشاركة في مسيرة اليوم تحت شعار «مسيرة ضد المرض ولن نتراجع حتى تحقيق جميع المطالب». وكان متطوعون من حملة «بكفي» تحت شعار «تطوع - حط كفك بكفي تا لبنان يكفي» من ضمن الخطة الوطنية التي أطلقتها جمعية «فرح العطاء» بالتعاون مع جمعية «الأرض لبنان» و «ماراثون بيروت» وبمشاركة «اليوم السابع» في جامعة القديس يوسف، تجمعوا تحت جسر الكرنتينا المؤدي إلى الطريق البحري وانطلقوا لتوضيب عشر نقاط من النفايات الملقاة على الطريق البحرية بصورة عشوائية تأميناً للسلامة العامة ولأهمية المبادرة للحد من تفشي الأوبئة نتيجة أزمة النفايات المتمادية». وتستمر الحملة حتى اليوم. وكانت حملة «بدنا نحاسب» اعتصمت أمام مبنى تابع لوزارة المال للضريبة على القيمة المضافة، واستنكرت «السرقة والهدر»، وطالبت ب «إغلاق مغارة علي بابا وطرد السراق منها، حتى نصل إلى يوم يكون لنا وطن ونكون له، تؤخذ الضرائب من أبنائه لحمايته وإعلائه، لا تؤخذ لتصبح وتمسي في جيوب حكامه».