أكد وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة أن ثنائية المراكز والأطراف، التي راجت قبل عقود من الزمان، «ثنائية ظالمة لأنها تنافي الحقيقة والتاريخ، ولأنها متأثرة بمقاييس مستوحاة من تكوينات سياسية وثقافية تنتمي إلى حقب التمركز الغربي وتصنيفه للثقافات والأعراق ولأنها، كذلك، استوردت مقولات جاهزة وطبقتها على الثقافة العربية، وبالأخص في مرحلة الحرب الباردة، وما ترامى إلى الثقافة العالمية من تصنيفات سياسية واقتصادية واجتماعية هي إن تأملناها تصنيفات ثقافية خالصة، غير أنها تنافي التجربة الثقافية للأمم والشعوب»، مشيراً إلى أن الثقافة العربية الحديثة «مرت بموجات مختلفة في القوة والتأثير، وساعدت ظروف كثيرة في نماء تلك الثقافة في بيئاتها المتعددة، وتأثرت بحركات التجديد الديني وحركات الاستقلال الوطني ومناهضة الاستعمار، وكان للاقتصاد والسياسة والتعليم أثر في تشكيل تيارات فكرية وفنية وثقافية متخاصمة أو متصالحة، ولكنها في كل الأحوال رسمت ملامح ثقافتنا الحديثة بتبايناتها المتعددة». وتطرق خوجة في مستهل كلمته في اللقاء المفتوح الذي جمعه بعدد كبير من المثقفين والمثقفات مساء أمس في معرض الرياض للكتاب، إلى الكلمة التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة لمجلس الشورى الأحد الماضي، مؤكداً أنها «وضعت تلك الكلمة السامية معالم المنهج، حينما أهابت بأبناء هذا الوطن الغالي أن يدركوا جلال الكلمة وخطرها»، مشيراً إلى النجاح الذي يلقاه معرض الرياض للكتاب. ويقول إنها «ثقافة شابة ناهضة متوثبة، وأنها، لو تأملنا ذلك عميقاً، ثقافة حوارية، وحين أقول «حوارية» لا يعني أن أقطابها متفقون في ما يأخذون به من شؤون الثقافة والأدب والفكر، ولكنني ألمح إلى أن تلك الخصومة وذلك الجدل العاصف اللذين يلفان ساحتنا الثقافية ما كان لهما أن يظهرا على السطح لولا ذلك الإحساس الذي يشعر به كل المشتغلين بالثقافة بأهمية الحوار وأثره في صناعة ثقافة وطنية جادة»، مشيراً إلى أن الثقافة في المملكة يظهر تأثرها بدعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار الوطني. وقال: «لمعارض الكتاب ثقافتها وأسلوبها، وأحسب أن هذه المعارض تكون مادة طريفة للدرس والتحليل وقياس اتجاهات الرأي والنظر، في الصحف والجامعات ومراكز البحث وقياس اتجاهات الرأي العام، لكن ذلك كله ذو صلة وثيقة بما تعرفه مراكز البحث المتقدم ب «سوسيولوجيا الكتاب وصناعته» وما يتصل بها من قضايا بالغة الأهمية أرجو لها وأنا في حضرة أهل الثقافة من المثقفين والمثقفات وأساتذة الجامعات أن ترصد هذه الثقافة الجديدة على مجتمعنا في أطروحات علمية مختلفة تدور كلها، وإن تباينت في المرجعية والمنهج، حول الكتاب وصناعته ونشره واستهلاكه». وأوضح أن المثقف عضو في جماعة، «فهو ليس بأديب ولا مترجم ولا فنان ولا عالم مكتفين بذواتهم، ولكنه يكون كل أولئك وسواهم حين يصبح له رأي في ما يدور حوله، أو، كما يعبر عنه، في لغة الإعلام، «وجهة نظر»، وهي رأي يتسم بالفردية، أي بالأصالة، ولكنه رأي يتجه إلى المجتمع، وينطلق منه». وتوقف خوجة عند علاقة المثقف بالمؤسسة، ليصفها بالعلاقة بالغة الصعوبة، «لأنها تحاول أن تجمع بين متضادين: المثقف والثقافة في حركتهما وفورتهما، والمؤسسة في تقاليدها وتراتبيتها وطابور البيروقراطية المتجذر فيها، أي أننا نحاول الجمع ما بين الثابت والمتحول، وأن نوفق بينهما»، لافتاً إلى أن تجربة الثقافة في المملكة تستحق النظر والتأمل، «فأن تكون هناك وزارة للثقافة، فهذه تجربة حديثة جداً، وقد يكون من حظ الثقافة في ما مضى أنها كانت أجهزة فرعية لوزارات ومؤسسات حكومية مشغولة بمهامها الأساسية، وهذا ما سمح للعمل الثقافي أن ينمو رويداً رويداً». وقال إن الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون مؤسسات تنتمي إلى «المجتمع المدني»، فهي «نتاج الحراك الثقافي والاجتماعي في بلادنا، فسلمت هذه المؤسسات أو هكذا ينبغي أن تكون، من تقاليد المؤسسة الحكومية البيروقراطية، وكانت، في تأرجحها قوة وضعفاً، نتاج المجتمع الثقافي وحراكه»، مشيراً إلى أن وزارة الثقافة والإعلام يتحدد دورها ووظيفتها «في تهيئة المناخات، وتذليل العقبات، تقدير المبدعين والمميزين من أبناء هذا المجتمع، وإتاحة الفرصة لإبداعهم للظهور محلياً وإقليمياً ودولياً، وتقديم الدعم، وفق الأطر النظامية، للمؤسسات الثقافية، والعمل من أجل توسيع دائرة العمل الثقافي المجتمعي، انطلاقاً من تعهد الدولة برعاية الثقافة والعلوم والآداب». وأكد خوجة أن الأصل في الحراك الثقافي هو «ما ينتجه المثقفون والمثقفات، بمختلف فئاتهم واتجاهاتهم من إنتاج ثقافي وإبداعي، يصب في تراثنا الثقافي الوطني، وأن برامج وزارة الثقافة والإعلام ما هي إلا استجابة واعية لما يدور في ساحتنا الثقافية السعودية»، راجياً أن يخطو المثقفون خطوة واعية في تأمل المؤسسات الثقافية، وما يمكن أن يقترحه الوسط الثقافي من إدخال التطوير على أبنيتها، متسائلاً: هل تبقى على ما هي عليه، بعد إحداث ما ينبغي لها من تطوير؟ أو أن نفكر معاً في إمكان إدماجها في شكل مؤسسي جديد هو «المراكز الثقافية»، موضحاً أن هذه الأفكار وغيرها «سيكون القول الفصل فيها للوسط الثقافي والأدبي والفني، لأن فلسفتي الشخصية تقوم على أن أي شكل جديد، وأي تغيير في المؤسسات الثقافية إن هو إلا خلاصة ما ينتهي إليه وعينا الثقافي». وأعلن وزير الثقافة والإعلام في ختام كلمته،عن جائزة باسم «جائزة معرض الرياض الدولي للكتاب» تمنح بدءاً من الدورة المقبلة، لأفضل ناشر وأفضل كتاب. وكشف أيضاً أن وزارة الثقافة والإعلام «وهي تحتفي بالكتاب السعودي وتراثه، ستخصص جانباً من إنتاج مطبعة صحيفة أم القرى، التي تعتبر المطبعة الأحدث في المملكة، لإصدار سلسلة تعنى بتراث الثقافة في بلادنا، وستحمل هذه السلسلة عنوان «ذاكرة الثقافة في المملكة العربية السعودية»، مشيراً إلى أن هذه السلسلة ستتيح للأجيال الشابة، الاطلاع على ما أبدعه أدباء ومثقفو الرعيل الأول في بلادنا من إنتاج أدبي وفكري أثرى ثقافتنا ووعينا»، لافتاً إلى أن أول إصدار سيكون قريباً بين أيدي المثقفين. كما جدد تهنئته للروائي عبده خال على فوزه بجائزة البوكر للرواية العربية.