الخوف من البعث « بعثوفوبيا» أصبح حالة شائعة لدى بعض الحركات والأحزاب السياسية في العراق خصوصاً تلك التي بسطت سلطتها بواسطة الاحتلال. الخوف من عودة البعث. الخوف من عودة قادته الى السلطة. الخوف من عودة بعضهم تحت أسماء أخرى الى البرلمان، الخوف من رموزه. لماذا كل هذا الخوف من الحزب القومي العربي الذي حكم العراق بالحديد والنار؟! الذي ادخل العراق في حروب متواصلة وكان السبب في تأجيج حرب داخلية عنيفة على أساس الهوية القومية البغيضة لماذا الخوف من الديكتاتور الذي سقط واعدم؟ ما هو محور وجوهر خوفهم من البعث؟! هل ان البعث كحزب قومي عربي، -الذي أعدم وقتل معارضيه علناً والذي اسلم المجتمع العراقي من خلال حملته الايمانية، الذي مزق صفوف الطبقة العاملة وحركتها؟! وادى حكمه الى إفقار المجتمع العراقي- يستوجب الخوف منه ومن عودته الى السلطة؟ وما هو هدف الحكومة الحالية من وراء هذه الادعاءات؟ سببان لهذا الخوف: الأول هو اجتماعي - سياسي بنيوي عميق، لا يمكن لحكومة نوري المالكي ولا غيره من الوجوه الحاكمة ان يتجاوزه. والسبب الثاني سياسي طارئ يعبر عن المرحلة الراهنة. لنبدأ مع السبب الأول: ان حكومة المالكي أو غيره (ليس المقصود شخص المالكي في هذه الفقرة): ان الحكومة البورجوازية الموجودة أو الدولة البرجوازية (رغم هشاشتها وضعف بنيتها وعدم حسمها من قبل اي طرف سياسي) في محتواها الطبقي والسياسي تابعة للقوى الإمبريالية مثلها مثل حكومة البعث ودولة العراق في تلك الحقبة، وأساس سياساتها وبقائها هو تأمين « العمل الرخيص والعامل الخامد» أي الاستبداد وتأمين أدنى مستوى من المعيشة للطبقة العاملة والجمهرة الغفيرة من المواطنين. عليها ان تنفذ هذين المحورين الأساسيين بحذافيرهما حتى تكون مقبولة لدى الدول الرأسمالية الكبرى ومؤسساتها الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية...الخ. هذا قانون سياسي – اقتصادي لهذه الدول في عالمنا الراهن وفي ظل سيطرة الدول الرأسمالية الكبرى وشركاتها الأخطبوطية على مقدرات المجتمع البشري...وهذا البنية السياسية والاجتماعية الأساسية هي التي أدت الى انعدام الخدمات بصورة شبه كاملة، على عدم توافر الماء الصالح للشرب وعدم توافر شبكات الصرف الصحي، وقلة المدارس والمستشفيات ناهيك عن فقدن البنى التحتية العصرية، والمجاعة المتفشية التي لم يراها المجتمع في العراق اطلاقاً، ومعدلات كبيرة في نسبة البطالة، قلة الأجور والهجوم المستمر والمتواصل على الطبقة العاملة ومنظماتها وانعدام الحريات السياسية. هذه الأمور وما آلت اليه من التذمر والاحتجاجات الجماهيرية والعمالية ضد سياسات الحكومة قادت الحكومة الى جعل البعث شماعة لتبرير سياساتها. أما السبب الثاني فهو صراع تلك الجهات مثل ائتلاف دولة القانون أو الإتتلاف الوطني العراقي أو حتى التحالف الكردستاني في هذه المرحلة أي قبل الانتخابات المقبلة فهذه الجهات تخاف فعلاً من البعث فعلاً لأنه أدرى بمعرفة شؤونهم وسياساتهم المتناقضة مع مصالح الجماهير، ويعرفون حق المعرفة ان سياساتهم وتوجهاتهم من حيث المحتوى السياسي هي ممارسة وسياسة البعث نفسها. وللمثال فقط: قانون الأحوال الشخصية مثلا قانون تحويل العمال الى موظفين، قانون العقوبات، أحكام الإعدام، مداهمات البيوت والاعتقالات الكيدية، هي استمرار واجترار للحقبة الماضية. فإذا كانت الجماهير معك لماذا الخوف؟!. لكن هناك تيار ثالث لا يخاف من عودة البعث هو الجماهير المليونية والطبقة العاملة، من الجائعين أو العاطلين من العمل والشباب الذين لم يذوقوا طعم الحياة لا من خلال حكم البعث، أي الأمن خلال الحركة القومية العربية ولا من خلال حكم «الدليمية» المتشكلة من الإسلام السياسي الشيعي والحركة القومية العربية والقومية الكردية المؤتلفة في الحكم. هذا التيار المعارض هو الذي بإمكانه ان يقلب الطاولة وان يقود الحركة لإزاحة هؤلاء الحكام.... ويطبع الدولة والحكومة بطابعها الإنساني أي الدولة للجميع، دولة بلا هوية دينية وبلا هوية قومية. دولة توفر الحريات السياسية غير المقيدة وحق المواطنة المتساوية للجميع، والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة. دولة لا مكان فيها للفساد والمفسدين... هذا التيار ليس لديه عقدة بعثوموفوبيا لان ممارساته وسياساته تنبض مع نبض أكثرية الجماهير. حينذاك لن يبقى للبعث اية ارضية لعودته ولن تبقى أرضية لحكم هؤلاء الذين يخافون من عودة البعث... حينذاك يتمتع العراق بكامل سيادته والمجتمع بكامل حرياته.