رحّالة بريطانيون يقطعون 500 كم في محمية الملك سلمان    أمير الرياض يعزي في وفاة محمد المنديل    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيسة مجلس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني    المالكي يهنئ أمير منطقة الباحة بالتمديد له أميرًا للمنطقة    لماذا تمديد خدماتهم ؟!    ممشى النفود    «البيئة» تدعو الطُلاب للالتزام بالممارسات السليمة    التعليم.. تطور وتقدم    تحديد أسعار وزن المواشي ينتظر الدليل    الأمم المتحدة: نحو 30% من اللاجئين السوريين يريدون العودة إلى ديارهم    ما يجري بالمنطقة الأكثر اضطراباً.. !    أخيراً    الجيش الإسرائيلي يتسلم الرهائن الأربع    حكومة اليمن تطالب بتصنيف جماعة «الحوثي» «منظمة إرهابية عالمية»    بطولة الأمير عبد العزيز بن سعد للبوميرنغ تنطلق من" التراث للعالمية"    فريق أوكي يتوّج بلقب الجولة الأولى لبطولة العالم للقوارب الكهربائية "E1" في جدة    نيوم يتجاوز الطائي ويستعيد الصدارة    اكتمال جاهزية سافيتش    الاتحاد يقترب من أوناي هيرنانديز    تحديد موقف ميتروفيتش وسافيتش من لقاء القادسية    تعليق الدراسة اليوم الأحد في عسير    ترحيل 10948 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة الباحة جاهزيتها لمواجهة الحالة المطرية    «ليلة صادق الشاعر» تجمع عمالقة الفن في «موسم الرياض»    «هانز زيمر».. إبداع موسيقي وإبهار بصري مدهش    "افتتاح بينالي الفنون الإسلامية 2025 في جدة بعنوان "وما بينهما"    تمكين المرأة: بين استثمار الأنوثة والمهنية ذات المحتوى    إنجازات تكنولوجية.. استعادة النطق والبصر    الهروب إلى الأمام والرفاهية العقلية    الاتفاق يتعادل إيجابياً مع الوحدة في دوري روشن للمحترفين    شركة الكهرباء تحقق بأسباب انقطاع خدماتها في جنوب المملكة    أصحاب السمو والمعالي يشكرون القيادة على تمديد خدماتهم    «الحج والعمرة» تفوز بجائزة «WSA»    عبور 54 شاحنة إغاثية سعودية جديدة مقدمة للشعب السوري عبر الأردن    ضبط (3) مواطنين في ينبع لترويجهم الإمفيتامين والحشيش    انقطاع مفاجئ للكهرباء يعطل الحياة في الجنوب لأكثر من 6 ساعات    السعودية تدخل «غينيس» للأرقام القياسية وتتوج الفائزين بكأس العالم للدرونز    آل الشيخ يلتقي رئيس وفد مملكة كمبوديا المشارك في مؤتمر آسيان الثالث    الوجبات منخفضة السعرات شرط تقديم سفر الإفطار بالحرم    انقطاع التيار الكهربائي يؤجل مواجهة الاخدود و الخليج 24 ساعة    "دافوس": السعودية استعرضت إنجازات "رؤية 2030" وناقشت حلولاً لتحديات العالم    آل الشيخ يلتقي رئيس وفد مملكة ماليزيا المشارك في مؤتمر آسيان الثالث    روسيا: تخفيض سعر العملات أمام الروبل    ضيوف الملك: ريادة المملكة عالميا فخر للمسلمين    250 زائرا من 18 دولة أفريقية يزورون مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    «المنافذ الجمركية» تسجل أكثر من 950 حالة ضبط خلال أسبوع    رحالة بريطانيون يعبرون محمية الملك سلمان على ظهور الإبل لمسافة 500 كيلومتر    الهند تحقق في مرض غامض أودى ب17 شخصاً    الداخلية : ضبط (22555) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    تقلل خطر الإصابة لدى النساء.. ثورة واعدة لعلاج سرطان عنق الرحم    ترمب يغيّر اسم خليج المكسيك    كائنات مخيفة تغزو جسد رجل !    مصر: التحقيق مع فرد أمن هدد فنانة مصرية    شامخات القصيد في معرض الكتاب بالقاهرة.    الربيعي تحصل على المركز الثاني في مسابقة بيبراس للمعلوماتيه    بعد «سره الباتع».. فيلم جديد يجمع رانيا التومي مع خالد يوسف    الأمير محمد بن سلمان يُعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ فاضل الصباح    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا أحد يكتب شيئاً عن لا شيء
نشر في الحياة يوم 26 - 10 - 2015

نعود إلى سؤالنا الأزلي والأبدي: لماذا نكتب؟ كتبت الناقدة خالدة سعيد، في مقدّمتها لترجمة قصص إدغار آلان بو، تقول: لم يتحدث أي إنسان بسحر أروع من سحر حديثه عن الاستثناءات والمفارقات في الحياة الإنسانية وفي الطبيعة، نهايات الفصول المثقلة بالبهاء المسكر، الساعات الدافئة، الرطبة الضبابية حيث الريح الجنوبية ترخي الأعصاب كالحبال، وحيث تمتلئ العيون بدمع لا يأتي من القلب، التهاويل التي تفتح الطريق أولاً للشك، ثم لا تلبث أن تصير مقنعة، مليئة بالبراهين كالكتاب، العبث الذي يسكن في البصيرة ويحكمها وفق منطق رهيب، التهيج العصبي الذي يغتصب الإرادة ويذللها. التناقض القائم بين الأعصاب والفكر، الإنسان المتصدع إلى درجة التعبير عن الألم بالضحك. إنه يحلل أكثر الأشياء هروباً وتفلتاً من التحليل، إنه يزن ما لا يوزن. إنه يصف بطريقة محكمة وعلمية مخيفة، هذا العالم الخيالي الذي يتموج حول الإنسان العصبي ويتحكم به ويقوده.
لا يستطيع أحد الادعاء أنه يقدم وصفات مكتملة لطرق التعايش مع الحياة، من خلال الكتابة. ولا يستطيع أحد القول أنه اكتشف سر الحياة، ولغز المصير البشري.
بدأت الكتابة كبقية الفنون الأخرى تزجية للوقت، وتحقيقاً للمتعة، عبر أناس لديهم المقدرة على تحقيق ذلك. لكن تزجية الوقت وتحقيق المتعة بالكتابة، يتطلبان موضوعات تصلح للكتابة. فلا أحد يكتب أي شيء عن لا شيء. لا بد من شيء ما تكتب فيه وعنه.
أسوق هذا الكلام لمن يقولون أن الكتابة منبتة عن الواقع الذي نعيش. ربما هم يقصدون أن الكتابة لا تقدم أجوبة عن أسرار الواقع والحياة، وهذا صحيح بالطبع. أما إن كانت الموضوعات معيبة، لتصبح الكتابة مجرد تلاعب بالكلمات، فلا أظن أن مثل هذه الكتابة هي التي تعني الإنسان، حتى من قبيل التسلية.
لا يمكن حصر الموضوعات التي تستحق تناولها في الكتابة. وإذا عدنا إلى الأساطير والملاحم، لوجدنا قسوة بالغة في الكتابة.
يكمن السبب في أن طفولة البشرية لم تكن امتلكت أو بلغت حداً من التهذيب - إن جاز التعبير -. لهذا، اصطبغت كتابات الأولين بالقسوة والفظاظة والصدمة. كانت كتابة لا تقيم لرد الفعل البشري اعتباراً، لأنها لم تفكر في الكتابة كشكل من أشكال التواصل الاجتماعي.
قتل أوديب أباه وتزوج أمه. قتلت ميديا طفليها انتقاماً من زوجها جيسون. ذبح آغاممنون ابنته قرباناً لإله الريح كي تسير السفن نحو طروادة لاستعادة هيلين. لكن الزوجة خانته بعشقها لابن عمه الذي قتله ابن آغاممنون.
هل فكر الأقدمون بالإنسان كما هو من دون تزويق أو أقنعة؟ ربما. وربما كان هذا هو السبب المباشر لما يمكن تسميته بالقسوة، أو بقلة التهذيب. فلم تكن هنالك قوانين وحدود تفصل بين المسموح والممنوع كما حدث لاحقاً. فحين أنجز فلوبير رائعته «مدام بوفاري»، قُدم للمحاكمة. بينما تتحدث التوراة التي بين أيدينا عن ابنتي لوط، وكيف أسكرتاه لكي يتسنى لهما مضاجعته، من أجل استمرار النسل وعدم انقطاعه.
هل يقودنا مثل هذا الكلام إلى القول أن ازدياد الوعي حدّ من حرية الكتابة؟ وهل هو ازدياد في الوعي حقاً، أم قوننة الحياة لمصلحة الأسياد ضد العبيد؟ فالذين وضعوا القوانين عبر العصور كلها هم السادة والحكام وأصحاب الثروة والنفوذ. ولم يكن على العبيد - النسبة الأكبر من الناس - سوى الطاعة أو العقاب في أشكال عدة. فحين خرج الشعراء الصعاليك عن بنية القصيدة الطللية، هدموا مدماكاً في بنية القبيلة، وهتكوا محرماً من القوانين التي صاغها الأسياد، فكان العقاب بنبذ هؤلاء الصعاليك، وإلقائهم في الصحراء لكي يموتوا، أو لئلا يسمع أحد في القبيلة شيئاً مما يقولون، مغايراً لقوانين القبيلة التي تطاول الشعر بوصفه المعبر الرئيس عن القبيلة، وبوصف الشاعر ناطقاً إعلامياً باسم القبيلة.
يقول هيربرت ماركوز: «إن بودلير ورامبو أكثر ثورية من ذوي المضامين الثورية، وذلك بتحطيمهما قواعد الكتابة السائدة والنمطية»، وهو بذلك يؤكد أن الثنائية لا تنفصل، فتحطيم الشكل السائد والنمطي يتطلب كتابة جديدة في الموضوعات وطريقة معالجتها والنظر إليها. فلا تستطيع تحطيم بنية المعلقة لتكتب قصيدة النثر، وتحافظ على قواعد المعلقة من طللية ونسيب وفخر بالذات وبالقبيلة... قصيدة النثر شكل جديد في الكتابة يتطلب رؤية جديدة للحياة. ربما تكون مفاجئة أو صادمة للبعض، لكن هذا هو التجديد دائماً، يلاقي صدوداً واستنكاراً في المجالات كلها.
لم تتوقف حركات التمرد في الكتابة، عربياً وأممياً، لكنها باستمرار كانت تجابه بالرفض والتهميش والإقصاء، للإبقاء على الكتابة النمطية التي اعتمدتها القبيلة والمدينة لاحقاً. ومن هنا، انبثقت أجهزة الرقابة والخطوط الحمر التي تحدد للكاتب ملعبه ومساحته وهامشه.
مناسبة هذا الكلام، أن مواقع التواصل الاجتماعي، التي تخلط الحابل بالنابل، يمكن العثور فيها على كتابة متمردة، ويمكن هذا التمرد أن يصبح ظاهرة ثقافية، قادرة على تطوير الكتابة، فيما لو أُحسن استغلالها. فكثر من المواطنين العاديين أخذوا يكتبون، اكتشفوا أن الشتائم ربما تعبر عن أنفسهم وما فيها، حيث لا أحد في استطاعته منعهم كما هي الحال في الصحيفة مثلاً. مثل هذه الكتابة في حاجة إلى بعض الوقت كي تتطور وتصبح شكلاً جديداً من أشكال الكتابة، فهكذا يبدأ التجديد، من ومضة أو فكرة أو رؤية مختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.