الأفكار تحفز بعضها، وتفرض على صاحبها أسلوباً وطريقة عند تناولها وشرحها.. والكاتب مع استمرار كتابته ونشره لما يكتب، لا يتوقف الأمر عند تحفيز عقله وذهنه للمزيد من الأفكار والتأمل الذي سيعزز الرؤى وينتج المزيد من الأفكار، بل يتعدى هذا إلى تحفيز قدراته وتهذيب مهاراته في رسم الكلمة واختيار عباراته والفضاء الذي تدور فيه المعاني، فإذا توقف الكاتب عن الكتابة أو مارس ما يعبر عن أفكاره بطريقة متقطعة غير ثابتة، انعكس هذا على نتاج ما يكتبه وظهرت أثاره بشكل جلي وواضح على طريقة تناوله للفكرة وأسلوب شرحه لها.. فيكتب. وهو أول من يشعر أنه لم يكتب ما كان يرتقي لما كان يألفه في نفسه ويراه من تدفق وتسلسل أفكاره وسهولة عباراته، في ظني أن كل شيء يعتمد ويتطلب الاستمرار فيه ليحلق إلى البعيد أو يعكس حقيقة ما يملكه صاحبه من موهبة أو قدرة ومهارة في هذا المجال أو ذاك، فلاعب كرة القدم على سبيل المثال، مهما عظمت موهبته ومهاراته إن توقف عن ممارسة الكرة وملامستها ومداعبتها، ثم عاد لن يكون بالصورة التي تعكس حقيقة ما يمتلكه من مهارة وموهبة، وسيفقد ما اتفق الناس على تسميته حساسيته للكرة وحساسية تمركزه في الملعب. فلا يعود يحدث التأثير الذي كان يحدثه على سير المبارة ونتيجتها، ولعل الكاتب لا يختلف عن هذا، إن ابتعد عن الكتابة أو تقطع في كتابته دون الاستمرارية سيفقد كثيرا من أدواته ومهاراته التي كانت تميزه أثناء تواصل واستمرار كتاباته.. وسيفقد حساسية القلم التي بالإضافة إلى أساليب الطرح ومهارات العبارة تمنحه قدرة التوقيت ومعرفة ما يثير أو يحفز تفاعل الناس مع ما يكتب من موضوعات وما يطرح من أفكار... غير أن هذا لا يتحقق دائماً لكل من كتب، فيحجم كثير من الكتاب دون مبرر واضح، ويفقدون بدورهم ما يفقدونه من مهاراتهم وحضور أذهانهم، وربما يختفون ويظهر غيرهم أقل مهارة وموهبة لكنه منح الفرصة للمواصلة والاستمرار التي بلا شك ستعينه على أن يصقل مهارته وترفع من طريقة معالجته وتناوله لما يطرح من أفكار.. الذي يتحدث عن تساوي الفرص في هذه الحياة هو بلا شك إنسان حالم، الحياة تفاضل فيما تمنحه من فرصها ودعمها.. تتحيز لناس دون آخرين، وفي هذا تقدير دقيق من لدن حكيم خبير.. هذه سنتها التي لن تتغير وسيبقى الناس فيما يحفظ لهم من مكانة مستندين على ما تمنحه الحياة لهم من فرص لا على حقيقة ما يملكونه من قدرة أو مهارة... والله المستعان. [email protected]