على مدى أكثر من شهر، بحث أحمد من خلال موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» عن مهربين يساعدونه في تحقيق حلمه بالوصول إلى ألمانيا. وبعد محاولات عدة نجح في الوصول إلى ضالته، وتعرف إلى مهرب نشر إعلاناً عبر إحدى صفحات «فايسبوك» المختصة بأمور تهريب الناس إلى أوروبا. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الصفحات التي تُعنى بأمور الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وتوفر للراغبين في خوض هذه التجربة العديد من الفرص للسفر عبر البحر إلى شواطئ اليونان، حيث بداية رحلة طويلة إلى دول الاتحاد الأوروبي بحثاً عن لجوء آمن بعيداً من أجواء الحرب في سورية. وصل أحمد إلى مدينة غازي عنتاب جنوبتركيا قبل شهرين تقريباً، قادماً من إحدى قرى جبل الزاوية بريف إدلب في شمال غربي سورية، وقصارى آماله تنحصر في السفر إلى ألمانيا حيث سبقه العديد من أصدقائه، إذ إن «العيش في مخيمات تركيا صعبة، وأطفالي في حاجة إلى مدارس لإكمال تعليمهم، كما أن فرص العمل لنا كشباب في تركيا قليلة جداً، لذلك فضلنا الهجرة إلى أوروبا عسى أن نجد حياة أفضل هناك»، وفق أحمد. وتتم غالبية عمليات تهريب طالبي اللجوء إلى أوروبا عبر مدينتي إزمير وبودروم التركيتين على شواطئ بحر إيجه حيث المسافة إلى الجزر اليونانية لا تتجاوز بضعة كيلومترات. وتنتشر في هذه المدن مافيات التهريب التي تتولى نقل البشر عبر البحر في قوارب مطاطية، وتعتمد هذه الشبكات في جلب الزبائن على سماسرة، وهؤلاء بدورهم وظفوا وكلاء لهم يجوبون الشوارع بحثاً عن زبائن. في مدينة إزمير، انتشر مئات الشبان والعائلات الراغبين بالهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي يقضون أياماً وربما أسابيع بانتظار موعد ركوبهم البحر في بداية رحلة الهجرة، ولا يكلفهم عناء البحث عن مهربين يساعدونهم في الوصول إلى غايتهم سوى الانتظار في الساحات العامة. ويومياً يجتمع وكلاء السماسرة ومافيات التهريب بطالبي اللجوء في ساحات إزمير ومقاهيها، وتدور المفاوضات على العلن من دون الخوف من السلطات التركية. وتعتمد المفاوضات على مبدأ العرض والطلب، فأعداد الراغبين بالهجرة كبيرة، وهو ما يوفر أريحية لكلا الطرفين في هذه المفاوضات بسبب توافر البدائل. قبل سنتين فقط، كانت كلفة عبور الشخص الواحد إلى الجزر اليونانية انطلاقاً من إزمير تصل إلى 3500 دولار أميركي، ولم تكن مافيات التهريب انتشرت بشكل كبير بعد. لكن مع تزايد أعداد طالبي اللجوء انخفضت التكلفة إلى 1200 دولار تقريباً للشخص الواحد، و500 دولار للأطفال، فيما تتولى شبكات التهريب تأمين القوارب المطاطية لطالبي اللجوء، وساهم في انخفاض التكلفة تزايد المافيات والمضاربة بينها. يقول فراس، وهو شاب سوري يعمل وكيلاً لأحد السماسرة، إنه يجتمع يومياً بعشرات من طالبي اللجوء في حدائق إزمير ومقاهيها من دون الخشية من أعين السلطات التركية، ووظيفته فقط الاتفاق مع الأشخاص الراغبين بالهجرة وتحديد السعر المناسب لكل شخص وفق ظروفه ومن ثم إرسال رقم هاتفه إلى السمسار. وتنتهي مهمة فراس عند هذا الحد، كما يقول ل»الحياة». ويضيف أن شبكات التهريب تعتمد التسلسلية في عملها، «مهمتي هي جلب زبائن والاتفاق معهم على السعر، ومن ثم إبلاغ الوكيل بالعدد الذي اتفقت معه، وبدوره الوكيل يبلغ المهرب ويرتب أمور السفر، حيث نأخذ أرقام هواتف الزبائن ويقوم آخرون بالاتصال بهم وإبلاغهم بمكان التجمع، ومن ثم تأتي شاحنات ضخمة وتقلهم مسافة 250 كيلومتراً شمال إزمير حيث نقطة الانطلاق إلى الجزر اليونانية». ويضيف فراس: «لا أعلم بالضبط من هو المهرب الأساسي الذي يدير الشبكة التي أعمل بها، كل ما أعرفه أنني أتعامل مع سمسار، لكن بالعموم كل شبكات التهريب لها علاقات مع بعض الأشخاص في خفر السواحل والشرطة التركية واليونانية، وفي بعض الأوقات تتم عمليات التهريب بعلم الشرطة في كلا البلدين». ووفق فراس، فإن نقاط الانطلاق تسيطر عليها المافيات وتحميها برجال يتخفون عن الأنظار (أغلبهم من الجنسية الأفغانية) تحسباً لأي طارئ، ولا يمكن الأشخاص العاديين الاقتراب من هذه المناطق من دون التنسيق مع المهربين، وأحياناً تبيع المافيات نقاط الانطلاق في ما بينها بأسعار تتراوح بين 15 ألف دولار إلى 30 ألفاً في اليوم الواحد لكل نقطة انطلاق، ذلك وفق عدد القوارب المطاطية التي ستبحر من النقطة الواحدة وعدد الساعات اللازمة لإنجاز المهمة. أما الراغبون في الهجرة، فغالباً لا يثقون بشبكات التهريب، ولاسيما أن كثيرين تعرضوا لحوادث احتيال من مهربين، لذلك يتم دفع المبالغ للمهربين عبر مكاتب تأمين تنتشر في مدينة إزمير، حيث يضع طالبو اللجوء المبالغ في هذه المكاتب، وبعد وصولهم إلى اليونان يرسلون شيفرات للمكاتب تسمح للمهربين بقبض المبالغ. ويقول فراس إن نقطة الانطلاق التي تديرها شبكة التهريب المتعاونة معه (رفض ذكر اسم نقطة الانطلاق والجزيرة اليونانية التي يصل طالبو اللجوء إليها) تُسيّر يومياً 20 قارباً مطاطياً أو ما بات يعرف لدى طالبي اللجوء ب «البلم»، وفي كل قارب يتم وضع بين 40 إلى 50 شخصاً. ويؤكد فراس أن غالبية الراغبين في الهجرة سوريون، معظمهم يأتي من لبنان، فيما يأتي العراقيون في المرتبة الثانية، ومن ثم الفلسطينيون، وهناك أشخاص من جنسيات عربية وبعض الأفغان، والجميع يقول إنه يحمل الجنسية السورية طمعاً في كسب اللجوء. وفي مدينة إزمير، انتعشت تجارة المواد المتعلقة بالتهريب، كستر النجاة والقوارب المطاطية، وعلى سبيل المثال ارتفع سعر سترة النجاة الواحدة من 10 دولارات إلى 40 دولاراً بسبب الإقبال المتزايد عليها من طالبي اللجوء، في حين ارتفع سعر القارب المطاطي الواحد من 4 آلاف دولار إلى 10 آلاف مع ازدياد الطلب عليه من شبكات التهريب، وهذا القارب يستعمل لمرة واحدة حيث يرميه المهاجرون على الشواطئ اليونانية فور وصولهم إلى هناك.