ما أن تدق الساعة التاسعة مساء حتى تبدأ جولة جديدة من جولات الصراع المصري في برامج الحوار التلفزيوني في كل بيت متصل بطبق لاقط، أو مزود ب «حرامي الدش» الذي يتيح لغير المتصلين مشاهدة الفضائيات. صرعة برامج الحوار الليلية على القنوات المصرية الفضائية بلغت مداها هذه الأيام، بانضمام مولود جديد إلى القائمة المتخمة أصلاً، والتي تتصارع على كعكة المشاهدة في التوقيت ذاته. المولود الجديد الذي يحمل اسم «بلدنا»، ويعرض على شاشة قناة «أو تي في»، يرسخ منظومة تمصير ظاهرة برامج الحوار الليلية التي تعتمد في المقام الأول والأخير على اجترار الأحزان والمشكلات والعقبات التي يعيشها المواطن يومياً، وذلك بعد صبغها، إما بلون معلوماتي من خلال نقل حي، واما باستضافة خبراء ومحللين، أو بلون سياسي من خلال حديث هاتفي مع وزير أو مسؤول كبير، واما بلون آخر شعبي بفسح الأثير للمواطنين أنفسهم للبكاء والاعتراض والصراخ على الهواء مباشرة. ولأن الصرعات لها عمر افتراضي، فإن التجديد والتحديث باتا من الشروط الإجبارية للاستمرارية، وليس مجرد اختيار. من هنا اتخذ «بلدنا» لنفسه شعاراً ذا مغزى ومعنى واضحين: «بدون لت وعجن»... وهو الشعار الذي التصق ببرامج التلفزيون الرسمي منذ استنشق المشاهد عبير الفضائيات غير الرسمية. إذ كانت – وربما مازالت – نسبة كبيرة من برامج التلفزيون الرسمي قائمة على الكلام الكثير، والحشو المنزوع الفائدة، الى ان جاءت الفضائيات لتؤكد بالحجة والبرهان أن في الإمكان تقديم مادة إعلامية خالية من «اللت والعجن». ولكن للأسف سرعان ما راح بعض هذه البرامج يحيد عن طريق التناول المفيد البعيد من الهرطقة، وانزلق – أو كاد – في حروب شخصية بين جهات متناحرة، أو فقد القدرة على الإمساك بزمام الأمور وانهمك في كلام لا يقدم ولا يؤخر. الوعود التي أعلن عنها برنامج «بلدنا» بالابتعاد من «الرغي» و«التطويل» مع التأكيد مراراً وتكراراً على عدم تحوله إلى ثرثرات ألمحت إلى الوضع الحالي الذي يعانيه عدد غير قليل من برامج الحوار التي يتفرغ المصريون لمشاهدتها في فترة المساء من الأحد إلى الخميس يومياً. أحاديث الناس العاديين وتعليقاتهم على شبكة الإنترنت تؤكد أن هذه البرامج إن تمسكت بالنهج الذي تسير عليه منذ بزوغ عصرها فإنها حتماً إلى زوال، أو بالأحرى فإن مشاهدتها إلى زوال. آخرون يرجحون أن المرحلة المقبلة ستشهد علاقة عكسية بين مقدار «اللت والعجن» ونسبة المشاهدة، فكلما زادت الثرثرة قلت المشاهدة والعكس صحيح.