«انتظر اتصالنا». هي العبارة الأكثر تردداً ربما على مسامع الباحثين عن فرصة عمل في السعودية، والذين يصل عددهم إلى نحو نصف مليون عاطل من العمل بحسب آخر تقرير لوزارة العمل، في بلد يعد أكبر منتج للنفط في العالم. وإذا كان أحد العاطلين من العمل يأمل بإيجاد وظيفة في وقت مضى، ولو بفرض احتمال بسيط، فإن الأزمة الاقتصادية العالمية قضت على آمال كثيرين من هؤلاء. تخرج فارس الدوسري في الجامعة منذ عامين، حاملاً شهادة البكالوريوس في التاريخ. آمال كبيرة وضعها وحلم بتحقيقها، لكنه صدم بواقع السوق. فتخصصه «غير مطلوب»، كما اكتشف أنه ليس الوحيد الذي ينتظر التوظيف، فطابور الانتظار لفرصة عمل يقف فيه قبله عشرات الآلاف. ويشير الدوسري إلى أنه بحث عن العمل في جميع المجالات لمدة عام، قبل أن يجد وظيفة في مدرسة أهلية بمرتب لا يتجاوز 2500 ريال (660 دولاراً) لكنه غادر العمل بعد شهرين فقط. ويقول: «لم أستمر في الوظيفة على رغم أنني عملت بكل تفان وإخلاص، لأنني اكتشفت أني لم أكن سوى بديل لأحد المعلمين المقيمين أثناء إجازته الطارئة، فتم الاستغناء عن خدماتي فور عودته». ولا يزال فارس يعاني البطالة بعد أن تقدم إلى عشرات الوزارات والشركات، مصطدماً في كل مرة يتقدم فيها إلى وظيفة بعبارة «انتظر اتصالنا»، وهو اتصال لا يأتي مهما طال الانتظار كما يقول. ولفت فارس إلى استغلال أصحاب المدارس الأهلية حاجة المعلمين الجدد للعمل فقال: «يتم تحميلهم أكثر من طاقتهم، ويتعاقد معهم برواتب متدنية، على رغم أن وزارة العمل أوصت بألا يقل راتب المعلم في القطاع الخاص عن 3000 ريال، كما أن صندوق الموارد البشرية يدعم المدارس الخاصة بنصف راتب المعلم السعودي (1500 ريال شهرياً) كمساعدة لتحسين وضع المعلمين وتوسيع السعودة في التعليم الخاص «إلا أن المدارس الخاصة لم تنفذ هذا الالتزام». ويحمل عبدالله الشيباني، الذي تخرج في الكلية التقنية في مدينة الرياض بشهادة دبلوم تسويق، «الواسطة» مسؤولية تزايد معدلات البطالة، يقول: «على رغم الفرص التي كنا نسمع عنها قبل التخرج، إلا أننا صدمنا بالواقع المرير الذي واجهناه بعد التخرج بقلة الفرص، وانحياز غالبية الفرص الوظيفية إلى من يملكون واسطة، حتى وإن حالفك الحظ وأنت لا تملك واسطة فلن تتوافر لك الفرصة نفسها التي توافرت لمن لديه واسطة». وأكد أن طول الانتظار ووقت الفراغ الكبير الذي عانى منه دفعاه إلى تملك سيارة أجرة من شركة تقسيط، والعمل عليها. وقال صالح السلمي الذي يقضي معظم وقته متنقلاً بسيارته يبيع الخضروات والفواكه انه يئس من البحث عن العمل خصوصاً أن مؤهلاته التعليمية تعتبر متدنية، إذ لم يتجاوز في تعليمه المرحلة المتوسطة. وزاد من تشاؤمه رؤيته أصحاب السيارات الذين يمارسون بيع الخضروات والفواكه ممن يملكون المؤهلات ولم يجدوا عملاً، مشيراً إلى أنه تقدم للالتحاق بالمجال العسكري، لكنه لم يحظ بفرصة قبول بسبب المؤهل، مع العلم بأنه يعرف أشخاصاً تم قبولهم في المجال العسكري وهم أقل مؤهلات منه بفضل الواسطة. ويشير رئيس جمعية علم الاجتماع الدكتور عبدالرزاق الزهراني الى أن من أشد ما يعانيه العاطل من العمل نظرة المجتمع الفوقية اليه، كونه عالة على المجتمع، إضافة لعدم إشباع رغباته المادية لعدم وجود دخل يؤمن له حياة كريمة. ويذكر أن اتباع الشخص الإجراءات الطبيعية كالدراسة حتى التخرج من أجل الحصول على وظيفة، ثم الاصطدام بعدم حصوله على فرصة عمل، يحفزانه على البحث عن فرصة بطرق غير مشروعة. ويوضح أن احتكار الفرص الوظيفية لذوي الواسطات يتسبب في تضخم البطالة، وبالتالي يتسبب في حقد العاطل من العمل على المجتمع بأكمله ومحاولة الانتقام منه من خلال ارتكابه الجرائم ودخوله ضمن مجموعات إجرامية. وأكد أن المسؤولية في احتواء شريحة العاطلين من العمل تقع على ثلاث جهات، أولها الجهات الرسمية التي تسن التشريعات والقوانين وتتحمل مسؤولية فتح المجال لاستيعاب هذه الشريحة وتقليل عدد العاطلين من العمل. والجهة الثانية القطاع الخاص من شركات ورجال أعمال إذ لا بد لهم من استقطاب هذه الفئة وتدريبها وتأهيلها من أجل الاستفادة منها. أما الجهة الثالثة فهي الشاب نفسه، الذي عليه تأهيل نفسه من خلال الالتحاق بدورات تؤهله للوظائف في سوق العمل، «فلا بد له من قبول الفرص المتوافرة حتى وإن كانت غير مرضية كحلول موقتة والبحث عن فرص أفضل وهو على رأس العمل، وألا يستسلم إلى البطالة ويفقد الأمل». وأكد أن عدد العاطلين من العمل يتجاوز نصف مليون في حين أن عدد العمالة الأجنبية في المملكة يصل إلى قرابة 10 ملايين عامل أجنبي منهم قرابة مليونين في مجالات الإدارة و الأعمال المكتبية التي لا بد من استغلالها في مصلحة الشباب السعودي العاطل من العمل. وأوضح أن النظرة التي أخذت عن الشباب السعودي بأنه غير مبال بالعمل ولا يمكن الاعتماد عليه تغيرت من خلال النماذج التي نجحت في مجالات عدة مثل البنوك والاتصالات. من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي عبدالوهاب أبو داهش أن أعداد العاطلين من العمل تتزايد في أوقات الأزمات، والأزمة المالية التي حدثت في وقت قريب وطاولت أميركا، ثم أثرت على الدول الخليجية بدءاً من دبي ثم باقي الدول، مشيراً إلى أن شركات كثيرة اتخذت إجراءات تحت ما يسمى ب «خفض التكاليف والنفقات»، بتقليص موازنات السفر والمكافآت والحوافز. واعتبر أبو داهش تأثر السعودية بالأزمة المالية «ضئيلاً» بفضل اقتصادها المتين، «فغالبية الشركات أعادت توزيع موظفيها في بعض الأقسام مثل ما حدث في البنوك وغيرها، وأوقفت فرص التوظيف الجديدة، ما زاد من معدل البطالة». ودعا أبو داهش إلى الإسراع في صرف إعانات للعاطلين من العمل، مشيراً إلى أن الإعانة مهمة جداً لأنها ستوجد قاعدة بيانات قوية مرتبطة مع قاعدة إنفاق مالي ما سيدفع كل المؤسسات الحكومية إلى الضغط على العاطلين من العمل للعمل وستسارع في توظيفهم من أجل التقليل من مصاريف الإنفاق عليهم لمدة طويلة.