اختار نائب رئيس الجمهورية العراقي طارق الهاشمي اعلاناً انتخابياً مؤثراً يشير الى جولاته السابقة داخل المعتقلات العراقية، وهو يؤكد ان انتقالته من خندق الأحزاب الإسلامية الى الخندق الليبرالي كان نتاج معاناة وتجربة في العمل السياسي. الهاشمي في حوار مع «الحياة» يؤكد ان قرارات الاجتثاث كانت «مسيسة» لكنها لن تؤثر على وزن «القائمة العراقية»، ويعبر عن إحباطه من «الموقف الاميركي» و «موقف المجتمع الدولي» من القرارات، ويبدي تحفظاً حول مصطلح «الانسحاب الاميركي المسؤول» من العراق. وفي إشارة لافتة يحذر نائب رئيس الجمهورية العراقي من انقلاب محتمل على التداول السلمي للسلطة يقوم به «الحزب الحاكم» في العراق (الدعوة)... ويلفت الى صدور إشارات من قادة هذا الحزب بهذا الصدد في حال جاءت نتائج الانتخابات بغير ما يشتهون. وهنا نص الحوار: تخوضون الانتخابات العامة في العراق بتوجه جديد تماماً وتحالف عابر للطوائف ضمن قائمة «العراقية» هل تعتقدون أن التحالف الجديد يمثل طموحكم الانتخابي؟ - بالتأكيد، لأن كتلة «العراقية» تبنت مشروعاً واقعياً للتغيير وإصلاح واقع الحال المؤسف. ولدينا على مستوى قيادة الكتلة قناعة مشفوعة بإرادة وتصميم على خدمة العراق وإحداث التحول الإيجابي المطلوب خلال السنوات الأربع المقبلة. أعددنا برنامجاً طموحاً شاملاً يستند إلى تشخيص دقيق للواقع وصياغة علمية رصينة للحلول والمعالجات، والدليل على صحة اختياري هو تنامي تعاطف الرأي العام مع الكتلة بمرور الوقت. ماذا عن تأثير قرارات «المساءلة والعدالة» التي اتخذت أخيراً على حضور القائمة الانتخابي؟ - لقد حاول من كان وراء هذه القرارات الإجهاز على كتلة «العراقية» وحرمان الشعب العراقي من مشروع وطني فاعل بدفع الكتلة إلى حافة اليأس وجعلها تتخذ قراراً بمقاطعة الانتخابات، لكننا أدركنا تفاصيل اللعبة منذ البداية واتخذنا القرار الصعب بمواصلة المشاركة رغم خسارتنا لشخصيات قيادية هامة. كما أن قرار الأخ الدكتور صالح المطلك باستئناف مشاركة كيانه «الجبهة العراقية للحوار الوطني» ضمن كيانات «العراقية» المؤتلفة على رغم استبعاده شخصياً من المشاركة، بل وترويجه لمشاركة جماهيرية واسعة في الانتخابات القادمة، كان خطوة مسؤولة وحقق مكاسب شعبية جديدة ل «العراقية» وعزز موقعها في السباق الانتخابي بالمقارنة مع بقية القوائم. أين مساحتكم ومساحة جمهوركم على مستوى الخريطة العراقية؟ هل صحيح أن ثقلكم الأساسي يتركز في المناطق السنية في العراق؟ - حضور كتلة «العراقية» يمتد على عموم مساحة العراق، وثقلها الجماهيري يتركز في أوساط العراقيين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والقومية، في داخل البلاد وخارجها. وستؤكد نتائج الانتخابات هذه الحقيقة إذا لم تتعرض إلى تزوير واسع النطاق في محافظات تهيمن عليها السلطة وموارد الدولة فيها بخدمة أحزاب حاكمة أو جهات متنفذة. اخترتم التسلسل 15 في القائمة «العراقية»، قال بعض المراقبين إن بعض التسلسلات التي سبقتكم في بغداد قد لا ترقى إلى ثقل الهاشمي ما هو سر الرقم 15؟ - خدمت بلدي وشعبي طيلة أربع سنوات من المسؤولية، واسم طارق الهاشمي صار بفضل الله «علامة مسجلة» يميزها العراقيون ويعرفونها. لا أحتاج الى تسويق اسمي برقم متقدم في القائمة العراقية ففضلت أن أعطي الفرصة لإخواني وأخواتي الوجوه الجديدة في «العراقية» الذين هم بأمس الحاجة إلى ظهور بارز على القائمة لينالوا فرصتهم في خدمة العراق. لقد اخترت التسلسل (15) ضمن مرشحي بغداد لكتلة «العراقية» التي تحمل الرقم (333) ثقة مني بالناخب العراقي الذي أصبح يعرف من هو طارق الهاشمي، وأنا مطمئن لذلك الاختيار ولهذا التسلسل. ولقد وجدت ثناءاً على هذا الاختيار الذي أثار الكثير من الجدل ما أدى إلى انتشار واسع للرقم ودعاية مجانية. بالعودة إلى قضية المحظورين من خوض الانتخابات وخصوصاً السياسيين صالح المطلك وظافر العاني، كيف تقومون مجمل إجراءات الحظر التي حدثت قانونياً وسياسياً وشعبياً؟ - أرجو مراجعة البيان الذي أصدرته كتلة «العراقية» بهذا الصدد، وسبق ان أوضحت أن قرارات الاستبعاد فيها شبهة قانونية ودستورية، وهي «مسيسة»، والدليل على ذلك أن الجهة التي اتخذت قرارات الاستبعاد هي «خصم وحكم» في آن واحد!، فهي مرشح منافس على قائمة مشاركة في الانتخابات. أما شعبياً فقد سقطت أمام الشعب العراقي الادعاءات والشعارات التي تتحدث عن «دولة القانون»، وانكشف ضعف الجهاز القضائي وعدم استقلاليته بسبب القبضة الحديدية، والترهيب المنظم الذي تتعرض له السلطات القضائية والتنفيذية من أحزاب حاكمة وجهات متنفذة. هل انتم راضون عن موقف الولاياتالمتحدة الأميركية من قضية «الاجتثاث»؟ قال إياد علاوي ل «الحياة» في وقت سابق إن للأمم المتحدة قدرة اكبر على الضغط في نطاق الفصل السابع ومع ذلك لم تستخدم هذا الثقل ما هو تحليلكم للموقف الأميركي؟ - أزمة استبعاد المرشحين سجلت غياب المجتمع الدولي، وتخليه عن دوره في دعم الديموقراطية العراقية وصيانة وتعزيز شرعية ممارساتها على رغم التزام الأممالمتحدة مع بلدنا من خلال وثيقة «العهد الدولي مع العراق» ومسؤولية الولاياتالمتحدة من خلال الاتفاقية الأمنية (سوفا). المواقف الدولية اتسمت بالضبابية وعدم الوضوح، وتم تناول الحدث على استحياء، واستسلم الجميع للخشية من الاتهام بالتدخل في شأن دولة ذات سيادة. بالتأكيد لست راغباً بتدخل أجنبي في شؤون بلدي، ولست من يشرعن مثل هذا التدخل أو يقدم له المبررات، ولكن قل لي: في وضع مثل العراق ما زال نظامه الديموقراطي في طور النمو وعندما تذبح الشرعية ويتحول القانون إلى أداة سياسية، وتجبر محاكم عليا على تبني قرارات غير قانونية بالإكراه، بمن يستجير المظلوم؟، ألا تفرض علينا مسؤوليتنا الوطنية أن نطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه بلدنا وشعبنا؟، لست راضياً عن موقف المجتمع الدولي وخاصة موقف الولاياتالمتحدة. قلت في واشنطن انك مع انسحاب أميركي «سريع» لكن «مسؤول» .. كيف ترى انسحاباً اميركياً سريعاً ومسؤولاً في الوقت نفسه؟ - ما زلت بحاجة إلى التعرف على أبعاد هذا الذي يسمونه «انسحاباً مسؤولاً». سمعت توصيفاً عاماً أثناء زيارتي البيت الأبيض وما زلت بانتظار التفاصيل. الانسحاب مطلوب بالتوقيت الذي ورد في اتفاقية انسحاب القوات الأميركية من العراق «سوفا»، أو مبكراً قبلها، ولكن ذلك ينبغي أن يتزامن مع إعادة تأهيل القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية ورفع جاهزيتها لتحمل المسؤوليات الدفاعية والأمنية. ما هي تقديراتكم للحديث المتواصل عراقياً عن احتمال الانقلاب.. هل أنت مع من يقول إن الولاياتالمتحدة قد تكون طرفاً في انقلاب عسكري؟ - في ظل الانتهاكات والخروقات التي تتعرض لها الديموقراطية الناشئة في بلدنا وخاصة مبدأ «التداول السلمي للسلطة» فإن حدوث انقلاب عسكري يبقى احتمالاً قائماً إذا تدهورت الأوضاع أكثر، أو أن «الحزب الحاكم» الذي ينفرد خلافاً للدستور والقانون بالهيمنة الحصرية على القرار العسكري والأمني، قد يغامر باستخدام القوة العسكرية لتعطيل التداول السلمي. هناك إشارات مزعجة من بعض كبار قياديي الحزب الحاكم (الدعوة) في أكثر من مناسبة تؤكد عدم استعدادهم للتنازل عن السلطة إذا ما جاءت نتائج الانتخابات بغير ما يشتهون، وإذا ما حصل ذلك فستكون عواقبه كارثية، وهذا ما لا نرجو وقوعه. الحديث عن انقلاب مرتبط ايضاً بتقويم صيغة اتجاه وسلوك وولاء المؤسسة العسكرية، أنت ايضاً ضابط سابق هل تعتقد أن المؤسسة العسكرية العراقية بتكوينها الحالي لها القدرة على اتخاذ مثل هكذا قرارات؟ - إدارة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية حصرياً بيد شخص واحد هو رئيس الوزراء الذي يحتفظ وحده بسلطة إصدار القرارات، ولا أتوقع أن الوحدات العسكرية يمكن ان تتحرك من دون إذن منه. وضعنا في العراق مختلف، اذ أن القيادة والسيطرة ليست في يد رئيس الأركان، أو وزيري الدفاع والداخلية بل بيد رئيس الوزراء وهو مدني. ما هو تقويمك ايضاً للأداء الأمني في ظل تهديدات بضرب العملية الانتخابية صدرت من تنظيم «القاعدة»؟ - حصل تقدم في الملف الأمني، لكنه تقدم «هش»، واحتمال تعرض العراق إلى مزيد من الهجمات الإرهابية ما زال قائماً. هناك أحداث مؤلمة تجري حالياً ولكن الأجهزة الأمنية تتكتم عليها، إلى جانب عمليات اغتيال منظم، وهجمات متواصلة على قادة الصحوات، وإرهاب ممنهج مقصود لتهجير العراقيين المسيحيين في محافظة نينوى. كما أن جرائم استهداف الأقليات ورموز العلم والثقافة ما زالت متواصلة. أمامنا شوط طويل حتى نحقق الأمن المنشود، وهو ممكن، ولكن في ظل إدارة أمنية جديدة قادرة على صيانة وتعزيز التحسن الأمني الذي تحقق عام 2008. في هذه المناسبة، التهديدات صدرت على لسان زعيم ما يسمى «دولة العراق الاسلامية» أبو عمر البغدادي الذي أعلنت الحكومة العراقية اعتقاله قبل شهور.. ما هو تعليقك؟ - لا أستطيع التعليق على ذلك.. وهذا سؤال يوجه لصانعي الرواية الرسمية التي باتت صدقيتها وصدقية البيانات الأمنية التي تعلن على الرأي العام من وقت لآخر على المحك للأسف. ما هو شكل التغيير التي تتبناه الكتلة العراقية؟ - العراق الذي نعمل من أجله هو عراق موحد، غير قابل للتجزئة، حر ومستقل، يتمتع بسيادة كاملة في البر والبحر والجو، يزداد قوة وتماسكاً، نسيجه الاجتماعي متين، ويستند إلى نظام ديموقراطي متطور ودستور دائم ينبغي أن تعاد كتابته بالاتفاق المستظل بالمشروع الوطني ليخدم الثوابت العراقية المشتركة في ظل نموذج «دولة المواطنة» وحكم المؤسسات والإدارة الرشيدة وليس في ظل نموذج «دولة المكونات» والمحاصصة الطائفية والتفسخ الاجتماعي. هل تعتقد أن الخريطة السياسية بعد الانتخابات ستكون مختلفة عما قبلها؟ -الحضور القوي والفاعل للمشروع الوطني سيكون هو التغيير الأبرز في الساحة، وستكون كتلة «العراقية» العلامة الفارقة في الخريطة السياسية المقبلة، فهي الوليد المنتظر الذي يراهن عليه الشعب العراقي في إحداث التحول المنشود إلى دولة الحريات والمسؤولية الوطنية والرفاهية والوئام والتلاحم. أما على مستوى التيارات الأخرى فأتوقع أن تبقى القوى السياسية المهيمنة على المشهد مؤثرة، لكن الحضور القوي لكتلة «العراقية» ولمشروعها الوطني غير الطائفي ولا الفئوي سيفرض على المشهد السياسي نهجاً وطنياً جديداً يجعل الجميع يعيد النظر في طريقة تعاطيه مع العراق كوطن ومع العراقيين كمواطنين. يقال إن «الإسلام السياسي» في العراق يتراجع .. ويقال أيضاً إن الهاشمي قفز من سفينة الإسلام السياسي قبل غرقها، فهل كان هذا الانتقال نتاج انقلاب فكري أم على خلفية رؤى سياسية مرحلية؟ - هي نتاج معاناة وتجربة غنية في العمل السياسي ومعترك السلطة. وما كان على السياسي الحصيف إلا أن يستفيد من دروس هذه المعاناة ويتخذ القرار الصحيح في الوقت المناسب. هل لإيران دور جوهري في تحديد المقدرات الانتخابية العراقية وخصوصاً منصب رئيس الوزراء؟ - إيران تتدخل تقريباً في كل ما يعني الشأن الداخلي في العراق خصوصاً في الجوانب السياسية، ولحساسية الظرف وقلق الجميع آمل أن لا تعمل إيران على خلق اضطراب في العملية الانتخابية أو التدخل بنتائجها كما حصل سابقاً. هل هناك «فيتو» إيراني على تولي إياد علاوي رئاسة الوزراء؟ - لا حق لإيران في أن تفرض على العراقيين من يختارونه لرئاسة الوزراء بعد الانتخابات، وأنا شخصياً لا أجد مسوغاً أو مبرراً لأي سياسي عراقي لمناقشة هذه المسألة مع أي طرف أجنبي. كيف ترون المحاولات لإعادة الأجواء الطائفية قبل الانتخابات على مستوى التصعيد الأمني بالملامح الطائفية وأيضاً على مستوى التصريحات التي تصنف كتصعيد طائفي؟ - منهج مدان ومكشوف، وينبغي التصدي له اعلامياً وعدم السكوت عنه، الغرض واضح وهو خلق أعداء وهميين لتضليل أبناء شعبنا العراقي ودفعهم نحو خيارات انتخابية معينة على أساس أنها البديل الذي سيحميهم من هذا «العدو الشبح». مع ذلك أقول إن أبناء الشعب العراقي على دراية وإدراك بأن لعبة عام 2005 لن تنجح اليوم، لقد تعرضوا للخداع والتضليل من أحزاب وكيانات فشلت في صوغ برنامج تنموي فلجأت إلى التصعيد الطائفي لتسويق نفسها. العراقيون أدركوا تفاصيل اللعبة، ولن تنطلي عليهم الحيل مرة أخرى. ماذا أنجز الهاشمي كنائب لرئيس الجمهورية وماذا يمكن أن ينجز في المستقبل؟ - لدي سجل في الإنجازات ربما لا يضاهيه سجل مسؤول آخر، في المجال السياسي عملت على تحقيق الإصلاح السياسي في الداخل مثل إقرار قانون العفو العام عن المعتقلين الأبرياء، وتطوير علاقات البلاد الخارجية ومثال ذلك تمكني من زيادة حصة العراق المائية القادمة من تركيا عبر نهر الفرات لإنقاذ الأراضي الزراعية في الجنوب من الجفاف. في مجال الصلاحيات وظفت صلاحياتي الدستورية في خدمة التماسك الاجتماعي وتعزيز الوئام الوطني وكان آخر هذه الإنجازات نقض قانون الانتخابات لتعديله بما يخدم مصلحة العراق ووحدته والعدالة بين العراقيين. وفي المجال الإنساني كان جهدي متواصلاً لرعاية ودعم الأيتام والأرامل وضحايا الإرهاب والعنف الطائفي، وفتحت ملف حقوق الإنسان بدون تحفظ وزرت السجون وأمطت اللثام عن حالات التعذيب، وهذا الجهد خاصة هو الذي أفتخر به لأنه خطوة حقيقية على طريق تحقيق العدالة لشعبنا المظلوم وبناء دولة «حقوق الإنسان». لدي طموحات واسعة لخدمة العراق والعراقيين في مختلف المجالات السياسية والإنسانية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، تتمحور كلها حول انجاز التحول المنشود للعراق من دولة مكونات متناحرة ومحاصصة طائفية إلى دولة مواطنة قوية متماسكة تصون التنوع والتعددية وتحترم كل الخصوصيات الدينية والمذهبية والقومية لأبناء شعبنا. هل إن احتمال اتجاه «العرب السنة» إلى «الفيديرالية» قائم؟ - التوسع في النموذج الفيديرالي لغير إقليم كردستان خيار غير مطروح. والبديل الأمثل هو المزيد من تعزيز الوحدة الوطنية السياسية والإدارية على أساس توازن الصلاحيات بين المركز والمحافظات. الشعور الوطني يتمحور بمرور الزمن حول الثوابت الوطنية وعلى رأسها «وحدة العراق» وهو دليل جديد على رصانة الجبهة الداخلية وتماسك النسيج الاجتماعي في هذا البلد. لقد سقطت رهانات ومخططات مشبوهة، إلا أن ديمومة وتعزيز وحدة العراق بل وحتى رفض الفيديرالية كما هو حاصل اليوم سيبقى مرهوناً بتأسيس «دولة العدل» وحكم المؤسسات. البعض يلمح الى أن الضغوط الأمنية وعمليات الاجتثاث قد تدفع ب «السنة» إلى هذا الخيار؟ - بالتأكيد قرارات الاستبعاد أوجدت شكوكاً بالعملية السياسية وتركت قلقاً مشروعاً حول المستقبل... لكن العراقيين السُنة مثل كل إخوانهم العراقيين المؤمنين بالمشروع الوطني ووحدة البلاد أرضاً وشعباً هم حريصون أيضاً على وحدة العراق وتماسكه، ولن تغير من قناعات العراقيين المبدئية ضغوط أو تحديات كهذه بل تزيدهم تماسكاً. ما هو وزن «البعث» في العراق اليوم... هل يتمتع بوزن يوازي مستوى المخاوف في عودته إلى الحياة السياسية؟ -لا أملك دراسات رصينة لاعتمادها في الإجابة، وقلقي على تجربة بناء العراق الجديد مرده أوضاعنا الداخلية وليس التهديدات الموجهة من الخارج. التجربة ستنجح ولكن فقط متى استطعنا أن نطرح - على أرض الواقع - نموذجاً للحياة يلتقي مع طموحات المواطن وتطلعاته في العيش الكريم. أعتقد أن الحريص على التجربة الديموقراطية في العراق وعلى العملية السياسية الجارية عليه أن يبرهن على حرصه بإشاعة العدل واحترام الدستور وتطبيق القانون بإطلاق سراح الأبرياء من السجون والمعتقلات. والكشف عن آلاف الضحايا الذين خرجوا ولم يعودوا إلى عائلاتهم، وأن يكافح ظاهرة الفساد المستشري في أجهزة الدولة، ولا يستأثر بالسلطة أو يدفع باتجاه هيمنة الحزب الحاكم على مقدرات البلاد خلافاً للدستور، وأيضاً عليه أن يكرس الانتماء العربي للعراق بعلاقات رصينة ومستدامة مع محيطه العربي، وأن يضع الحزب في خدمة الدولة وليس العكس. وإنجاح التجربة الديموقراطية مقترن أيضاً بإنصاف آلاف الضباط الأكفاء ورد اعتبارهم والسماح لهم بالعودة إلى صفوفهم في الجيش، لا أن ينتقي من يشاء على أساس الولاء للطائفة أو للحزب، والحال ينطبق على الإنصاف في معاملة العراقيين باعتبارهم أبناء شعب واحد، ومع العراق باعتباره دولة لا غنيمة، وتحسين ظروف حياة المواطن، والنظر نظرة إنسانية رحيمة ملتزمة أخلاقياً للعائلات التي أجبرتها الظروف الأمنية الصعبة على الهجرة خارج العراق أو النزوح داخله، وأن يعمل على عودتها... هذا هو النهج الذي يعصم العملية السياسية من الزلل ويحميها من المخاطر.