غداة المؤتمر الدولي حول الأزمة الليبية الذي عقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الجمعة الماضي، طفت على سطح المشهد السياسي في ليبيا ظواهر مناقضة للتوافق الدولي على ضرورة وصول الحوار بين طرفي النزاع إلى اتفاق يفضي بدوره إلى تشكيل حكومة وفاق وطني تتسلم السلطة لمرحلة انتقالية. والتوافق الذي برز في نيويورك لم ينسحب على القوى السياسية، سواء في طرابلس (مقر المؤتمر الوطني) أو في طبرق (التي تستضيف مجلس النواب المعترف به دولياً). وظهرت انقسامات داخل كل من المعسكرين، مؤشرة إلى أن الحوار الذي يرعاه المبعوث الدولي برناردينو ليون ربما بات «منتهي الصلاحية». مسارعة برلمان طبرق إلى الالتئام ليل الإثنين– الثلثاء، لتمديد ولايته التي تنتهي في 20 الشهر الجاري، لم تكن سوى «قرينة» إضافية لقناعة أعضائه بأنه لن يتم التوصل إلى اتفاق بحلول هذا الموعد، وأيضاً ضرورة قطع الطريق على «مبادرة لملء الفراغ» من جانب الفريق خليفة حفتر، وسط حديث عن عزمه على تشكيل مجلس عسكري بحلول 20 الجاري، كما يفيد سيناريو متداول على نطاق واسع في شرق ليبيا. لكن تمديد برلمان طبرق لنفسه جعله عرضة للمقارنة مع المؤتمر الوطني (برلمان طرابلس) الذي استعاد ولايته رغم انتهائها. وأيضاً استحضر مجلس النواب المعترف به مشهد الانقسامات في المؤتمر بين أعضاء منحازين للحوار وآخرين مناهضين له... وإن تعددت الأسباب، ففي الشرق ثمة مخاوف من إقصاء حفتر عن المشهد، ما يسدد ضربة للحرب على الإرهاب في بنغازي. ولم يكن المشهد في طرابلس أفضل حالاً، ففي أقل من 24 ساعة من اختتام أعمال مؤتمر نيويورك، اجتمع ممثلو «المجلس الأعلى للثوار» مع رئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل، ليخرج الاجتماع بمقررات تفرض على المؤتمر الوطني مشاورة «الثوار» قبل التوقيع على مسودة الحل الأممي، و «عدم السماح» لوفد المؤتمر الذي عاد من نيويورك إلى الصخيرات لاستئناف الحوار، بتوقيع أي وثيقة إلا بالتشاور معهم. بدا ذلك بمثابة تشكيك بوفد المؤتمر إلى الحوار ما أثار حفيظة أبرز أعضائه عبد الرحمن السويحلي، النائب عن مصراتة، الذي سارع إلى الرد بعنف على من وصفهم ب «أصحاب الأجندات الخاصة الذين يسعون إلى استمرار الوضع الحالي ضماناً لمصالحهم الشخصية»، متهماً إياهم ب «استغلال مناصبهم وصفاتهم الرسمية للترغيب والترهيب وتسخير إمكانات الدولة والمال العام لشراء الذمم وعرقلة وتسفيه مجهودات أعضاء فريق المؤتمر والتشكيك في نواياهم». للمرة الأولى برز الانقسام بين «الثوار» والمؤتمر الوطني الذي استدعوه ليحل محل البرلمان المنتخب بعد سيطرتهم على طرابلس وإجبار أعضائه على اللجوء إلى طبرق. ومما ساهم في تعقيدات المشهد أن الانقسام طاول الإسلاميين، فيما يتحدث مراقبون عن لعبة مزدوجة ل «الإخوان» بوقوف رموزهم مع الحوار وبقاء قياداتهم الميدانية ضده، ما يوحي بتناقضات مفتعلة تستمد محركها الرئيسي من تجاذبات خارجية أبعد مدى. ووسط هذه المواقف وتلك، تلوح تحذيرات جدية من أن تسويف الحوار في ظل صعوبة التوافق على تشكيلة حكومة وفاق، لا يؤدي سوى إلى المضي مجدداً في مغامرة «الحسم العسكري» غير المعروفة النتائج، في وقت يسعى «داعش» الى اقتناص الفرصة لقضم مزيد من مناطق السيطرة في وسط البلاد على مقربة من سلسة مرافئ التصدير المعروفة ب «الهلال النفطي» حيث تتركز موارد البلاد.