يرى محللون أن تركيا قد تقدم مساعدة حاسمة إلى الاتحاد الأوروبي لتسوية أزمة اللاجئين الذين يهربون بكثافة من النزاع السوري، لكن لا بد من بناء تعاون أفضل بين بروكسيلوأنقرة اللتين تتسم العلاقات بينهما بالصعوبة. وقد يدفع تسارع الأزمة السورية على وقع الضربات الجوية التي تقوم بها روسيا منذ الأربعاء الماضي، مزيداً من اللاجئين إلى الطرقات، وبناءً على هذة الخلفية، سيستقبل رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في بروكسيل الإثنين المقبل. وتلعب تركيا في هذا الإطار دوراً محورياً، إذ ينطلق من سواحلها كل يوم آلاف الأشخاص إلى الجزر اليونانية في بحر إيجه، متابعين طريقهم عبر البلقان إلى المجر أو كرواتيا، محاولين بعدها الوصول إلى شمال أوروبا وخصوصاً إلى ألمانيا، على أمل إيجاد ملجأ. وقال الباحث في معهد «كارنيغي أوروبا»، مارك بييريني، «تجد تركيا وإلى جانبها الاتحاد الأوروبي نفسيهما في مركب واحد في ظل الكارثة المتعلقة بالمهاجرين والنزوح الكثيف الذي تتسبب به سورية الآن جزئياً، بسبب الوجود العسكري الروسي الذي يعطي الإنطباع لدى الناس بأن الوضع سيتفاقم. إنه أمر يزعزع الاستقرار بالنسبة إليهما». وعبرت تركيا الخميس الماضي، عن قلقها الشديد بعد شن الضربات الروسية الأولى في سورية، فيما كرر أردوغان التأكيد على رغبته في دفع بلاده إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي تتعثر المفاوضات في شأنه منذ العام 2055، ويرى في ذلك استراتيجية تعود بالمكسب على الطرفين. وقال الموظف الكبير في المفوضية الأوروبية سيمون موردو الأسبوع الحالي، إن «تركيا تشكل جزءاً من الحل، إذ أنها تستقبل حالياً أكثر من مليوني لاجىء سوري، من بينهم 260 ألفاً في مخيمات، و1.75 مليون خارجها»، مضيفاً أن «تركيا وظفت أكثر من ثمانية بلايين دولار لإسكان اللاجئين»، متابعاً «ننظر إلى تركيا بصفته شريكاً في الأزمة، إذ تواجه تحديات عدّه مماثلة لما نواجهه». لكن هذه اليد الممدودة، تخفي ضيق الأوروبيين الذين توترت علاقاتهم مع أردوغان منذ بضع سنوات. وتبدأ لائحة الاعتراضات الطويلة التي وجهتها بروكسيل إلى أنقرة في السنوات الأخيرة، بحقوق الإنسان وحرية التعبير واستقلالية القضاء، لكن حتى وإن اقر الأوروبيون بحق أنقرة في مكافحة الارهاب، إلا أنهم يعبرون في مجالس خاصة عن قلقهم من الهجوم الذي شنته على متمردي حزب «العمال الكردستاني» أواخر تموز (يوليو)، ويأسفون لعدم مسارعتها في محاربة متطرفي تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش). وانتقدت الحكومة التركية المحافظة وأردوغان في المقابل، بروكسيل لتقاعسها أمام مشكلة اللاجئين السوريين، فيما تطالب أنقرة دائماً بإقامة منطقة آمنة على طول الحدود التركية - السورية، لكن الاتحاد الأوروبي لا ينظر إلى هذا الاقتراح بعين الرضى. ولفت بييريني السفير السابق للاتحاد الأوروبي في بروكسيل، إلى أن «زيارة أردوغان تأتي أيضاً في فترة من الاضطراب الشديد بتركيا، مع انتخابات برلمانية مرتقبة في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر)، على خلفية دوامة العنف وتدهور دولة القانون «بسبب الغارات والهجمات على أحزاب ووسائل إعلام مناصرة للأكراد». ويذهب التعاون الذي تنشده بروكسيل أبعد من ذلك بكثير، إذ يتناول مكافحة المهربين على السواحل التركية، في حين يُتوقع أن تدر عمليات تهريب طالبي اللجوء إلى أوروبا من بليون إلى بليوني يورو على الأقل السنة الحالية، إضافةً إلى تفكيك الشبكات المتعلقة بجوازات السفر المزورة. ويرغب الأوروبيون خصوصاً في أن توافق تركيا على فرض آلية إجراءات لتسجيل طالبي اللجوء الذين يمكن بعد ذلك استقبال قسم منهم في أوروبا، لتفادي مجازفتهم في رحلة محفوفة بالمخاطر على مراكب عشوائية، لكن رئيس الوزراء التركي أحمد داود اوغلو، اعتبر الفكرة «غير مقبولة». ويقترح مدير «مركز المبادرة الأوروبية للاستقرار» للأبحاث، جيرالد كنوس، «تدبيراً استثنائياً لتخفيف العبء الملقى على عاتق تركيا وتجفيف الطريق الدامية عبر بحر إيجة»، مضيفاً «ينبغي على برلين التعهد بأخذ 500 ألف لاجىء سوري مباشرة من تركيا خلال الأشهر ال 12 المقبلة»، متابعاً أنه «ينبغي على الاتحاد الأوروبي إبعاد المهاجرين الذين يصلون بشكل غير قانوني إلى أوروبا، إلى تركيا، لثنيهم عن ذلك».